قوله: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئَايَاتِنَا } فيه وجهان:
أحدهما: يصدق بحجتنا، قاله ابن شجرة.
الثاني: يصدق بالقرآن وآياته، قاله ابن جبير.
{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً } فيه وجهان:
أحدهما: الذين إذا دعوا إلى الصلوات الخمس بالأذان أو الإقامة أجابوا إليها
قاله أبو معاذ، لأن المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من أبواب المساجد.
الثاني: إذا قرئت عليهم آيات القرآن خضعوا بالسجود على الأرض طاعة لله
وتصديقاً بالقرآن. وكل ما سقط على شيء فقد خر عليه قال الشاعر:
وخر على الألاءِ ولم يوسد كأن جبينه سيف صقيل
{ وَسَبَّحُواْ بِحْمْدِ رَبِّهِمْ } فيه وجهان:
أحدهما: معناه صلوا حمداً لربهم، قاله سفيان.
الثاني: سبحوا بمعرفة الله وطاعته، قاله قتادة.
{ وَهُمْ لاَ يَستَكْبِرُونَ } فيه وجهان:
أحدهما: عن عبادته، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: عن السجود كما استكبر أهل مكة عن السجود له، حكاه النقاش.
قوله: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عِنِ الْمَضَاجِعِ } أي ترتفع عن مواضع الاضطجاع قال
ابن رواحة:
يبيت يجافي جنبه عن فِراشِه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان:
أحدهما: لذكر الله إما في صلاة أو في غير صلاة قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني: للصلاة -روى ميمون بن شبيب عن معاذ بن جبل قال كنت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال: "إِنْ شِئْتَ أَنبَأْتُكَ بَأبوابِ الْخَيرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ
وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَة وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ" ثم تلا هذه الآية.
وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقاويل:
أحدها: التنفل بين المغرب والعشاء، قاله قتادة وعكرمة.
الثاني: صلاة العشاء التي يقال لها صلاة العتمة، قاله الحسن وعطاء.
الثالث: صلاة الصبح والعشاء في جماعة، قاله أبو الدرداء وعبادة.
الرابع: قيام الليل، قاله مجاهد والأوزاعي ومالك وابن زيد.
{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } فيه وجهان:
أحدهما: خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته.
الثاني: خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه.
ويحتمل ثالثاً: يدعونه في دفع ما يخافون والتماس ما يرجون ولا يعدلون عنه
في خوف ولا رجاء.
{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يؤتون الزكاة احتساباً لها، قاله ابن عباس.
الثاني: صدقة يتطوع بها سوى الزكاة، قاله قتادة.
الثالث: النفقة في طاعة الله، قال قتادة: أنفقوا مما أعطاكم الله فإنما هذه
الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها.
الرابع: أنها نفقة الرجل على أهله.
قوله: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } فيه قولان:
أحدهما: أنه للذين تتجافي جنوبهم عن المضاجع، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنه للمجهدين قاله تبيع. وفي { قُرَّةِ أَعْيُنٍ } التي أخفيت لهم أربعة
أوجه:
أحدها: رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم، "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِي أَعْدَدْتُ لِعبَادي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ
سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ اقْرَأُواْ إِنْ شِئْتُم: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم
مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }" الآية.
الثاني: أنه جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله ما أعده لهم. قال الحسن بالخفية:
خفية وبالعلانية علانية.
الثالث: أنها زيادة تحف من الله ليست في حياتهم يكرمهم بها في مقدار كل
يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، قاله ابن جبير.
الرابع: أنه زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم، قاله كعب.
ويحتمل خامساً: اتصال السرور بدوام النعيم.
{ جَزَآءً بِمَ كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني من فعل الطاعات واجتناب المعاصي.