خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٨
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٩
-الأحزاب

النكت والعيون

قوله تعالى: { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } يعني المثبطين من المنافقين، قيل إنهم عبد الله بن أُبي وأصحابه.
{ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِليْنَا } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم المنافقون قالوا للمسلمين ما محمد إلا أكلة رأس وهو هالك ومن معه فهلم إلينا.
الثاني: أنهم اليهود من بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين هلم إلينا أي تعالوا إلينا وفارقوا محمداً فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحداً.
الثالث: ما حكاه ابن زيد أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من عند يوم الأحزاب فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال: أنت هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف، فقال له أخوه كان من أبيه وأمه. هلّم إليّ قد تُبع بك وبصاحبك أي قد أحيط بك وبصاحبك، فقال له: كذبت والله لأخبرنه بأمرك وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجده قد نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا }.
{ وَلاَ يَأْتُونَ البََأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } فيه وجهان:
أحدهما: لا يحضرون القتال إلا كارهين وإن حضروه كانت أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين قاله قتادة.
الثاني: لا يشهدون القتال إلا رياء وسمعة، قاله السدي، وقد حكي عن الحسن في قوله تعالى:{ وَلاَ يَذْكُرُونَ إلاَّ قَلِيلاً } إنما قل لأنه كان لغير الله عز وجل.
قوله تعالى: { أَشِحَّةً عَلَيكُمْ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.
الثاني: بالقتال معكم، قاله ابن كامل.
الثالث: بالغنائم إذا أصابوها، قاله السدي.
الرابع: أشحة بالنفقة في سبيل الله، قاله قتادة.
{ فَإِذَا جَآءَ الْخَوفُ } فيه قولان:
أحدهما: إذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل، قاله السدي.
الثاني: الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب، قاله ابن شجرة.
{ رَأيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ إِليَكَ } خوفاً من القتال على القول الأول، ومن النبي صلى الله عليه وسلم على القول الثاني.
{ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوتِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة.
الثاني: تدور أعينهم لشدة خوفهم حذراً أن يأتيهم القتل من كل جهة.
{ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } فيه وجهان:
أحدهما: أي رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد أي شديدة ذربة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لَعَنَ اللَّهُ السَّالِقَةَ وَالخَارِقَةُ وَالحَالِقَةَ" يعني بالسالقة التي ترفع صوتها بالنياحة والخارقة التي تخرق ثوبها في المصيبة وبالحالقة التي تحلق شعرها.
الثاني: معناه آذوكم بالكلام الشديد. والسلق الأذى، قاله ابن قتيبة. قال الشاعر:

ولقد سلقن هوازنا بنواهلٍ حتى انحنينا

وقال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره وفي سلقهم بألسنةٍ حداد وجهان:
أحدهما: نزاعاً في الغنيمة، قاله قتادة.
الثاني: جدالاً عن أنفسهم، قاله الحسن.
{ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على قسمة الغنيمة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: على المال ينفقونه في سبيل الله، قاله السدي.
الثالث: على النبي صلى الله عليه وسلم بظفره.
{ أَوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ } يعني بقلوبهم.
{ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها.
{ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } فيه وجهان:
أحدهما: وكان نفاقهم على الله هيناً.
الثاني: وكان إحباط عملهم على الله هيناً.