قوله عز وجل: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } في ارتقب وجهان:
أحدهما: معناه فانتظر يا محمد بهؤلاء يوم تأتي السماء بدخان مبين، قاله
قتادة.
الثاني: معناه فاحفظ يا محمد قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان
مبين، ولذلك سمي الحافظ رقيباً، قال الأعشى:
عليّ رقيب له حافظٌ فقل في امرىءٍ غِلقٍ مرتهن
وفي قوله تعالى { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما أصاب أهل مكة من شدة الجوع حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة
الدخان لما دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبطائهم عن الإيمان وقصدهم له بالأذى،
فقال: "اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِسَبْعٍ كَسَبْع يُوسُفَ" ، قاله ابن مسعود. قال أبو عبيدة
والدخان الجدب. وقال ابن قتيبة: سمي دخاناً ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها الدخان.
الثاني: أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغيوم، قاله عبد الرحمن بن
الأعرج.
الثالث: أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة يأخذ المؤمن منه كالزكمة، وينفخ
الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً.
قوله عز وجل: { رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الدخان، قاله قتادة.
الثاني: الجوع: قاله النقاش.
الثالث: أنه الثلج وهذا لا وجه له لأن هذا إما أن يكون في الآخرة أو في أهل
مكة، ولم تكن مكة من بلاد الثلج غير أنه مقول فحكيناه.
قوله عز وجل: { إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } فيه قولان:
أحدهما: أي عائدون إلى نار جهنم.
الثاني: إلى الشرك، قاله ابن مسعود. فلما كشف ذلك عنهم باستسقاء
النبي صلى الله عليه وسلم لهم عادوا إلى تكذيبه.
قوله عز وجل: { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى } والبطشة الكبرى هي العقوبة
الكبرى، وفيها قولان:
أحدهما: القتل بالسيف يوم بدر، قاله ابن مسعود وأُبي بن كعب ومجاهد
والضحاك.
الثاني: عذاب جهنم يوم القيامة، قاله ابن عباس والحسن.
ويحتمل:
ثالثاً: أنها قيام الساعة لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا.
{ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } أي من أعدائنا. وفي الفرق بين النقمة والعقوبة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة، والنقمة قد تكون قبلها، قاله
ابن عيسى.
الثاني: أن العقوبة قد تكون في المعاصي، والنقمة قد تكون في خلقه لأجله.
الثالث: أن العقوبة ما تقدرت، والانتقام غير مقدر.