خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٢٢
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
٢٣
ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٥
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٢٦
-الأنعام

النكت والعيون

{ ثُمَّ لَمْ تَكُن فَتْنَتُهُمْ... } الآية. في الفتنة هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني معذرتهم، فسماها فتنة لحدوثها عن الفتنة، قاله قتادة.
والثاني: عاقبة فتنتهم وهو شركهم.
والثالث: يعني بَلِيَّتُهم التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام.
{ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } تبدأوا بذلك من شركهم، فإن قيل: كيف كذبوا في الآخرة بجحود الشرك ولا يصح منهم الكذب في الآخرة لأمرين:
أحدهما: أنه لا ينفعهم.
والثاني: أنهم مصروفون عن القبائح ملجؤون إلى تركها لإِزالة التكليف عنهم، ولو لم يلجؤوا إلى ترك القبيح ويصرفوا عنه مع كما عقولهم وجب تكليفهم ليقلعوا به عن القبيح، وفي عدم تكليفهم دليل على إلجائهم إلى تركه.
قيل: عن ذلك جوابان.
أحدهما: أن قولهم { وَاللَّهِ رَبِّنآ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } أي في الدنيا عند أنفسنا لاعتقادنا فيها أننا على صواب، وإن ظهر لنا خطؤه الآن، فلم يكن ذلك منهم كذباً، قاله قطرب.
والثاني: أن الآخرة مواطن، فموطن لا يعلمون ذلك فيه ولا يضطرون إليه، وموطن يعلمون ذلك فيه ويضطرون إليه، فقالوا ذلك في الموطن الأول، قاله بعض متأخري المتكلمين.
وهذا ليس بصحيح لأنه يقتضي أن يكونوا في الموطن الأول مكلفين لعدم الإِلجاء والاضطرار، وفي الموطن الثاني غير مكلفين.
وقد يعتل الجواب الأول بقوله تعالى بعد هذه الآية: { انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } فأخبر عنهم بالكذب، وهم على الجواب الأول غير كاذبين.
وقد أُجِيب عن هذا الاعتراض بجواب ثالث، وهو أنهم أنكروا بألسنتهم، فلما نطقت جوارحهم أقروا، وفي هذا الجواب دخل لأنه قد كذبوا نُطْقَ الجوارح.
{ وَضَلَّ عَنهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } فيه وجهان:
أحدهما: بسوء كذبهم وجحودهم.
والثاني: فضلت عنهم أوثانهم التي افتروا على الله بعبادتها، والافتراء: تحسين الكذب.
قوله عز وجل: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } قيل إنهم كانوا يستمعون في الليل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته.
وفيه وجهان: أحدهما: يستمعون قراءته ليردوا عليه.
والثاني: ليعلموا مكانه فيؤذوه، فصرفهم الله عن سماعه، بإلقاء النوم عليهم، بأن جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه.
والأكنة الأغطية واحدها كِنان، يقال: كَنَتْتُ الشيء إذا غطيته، وأكننته في نفسي إذا أخفيته، وفي قراءة علي، وابن مسعود: على أعينهم غطاء.
{ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } والوقر: الثقل، ومنه الوَقَار إذا ثقل في المجلس.
{ وَإِن يَرَوْاْ كَلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بها } يعني بالآية علامة الإعجاز لما قد استحكم في أنفسهم من حسده وبغضه، وذلك صرفهم عن سماع القرآن، لأنهم قصدوا بسماعه الأذى والافتراء.
{ حَتَّىَ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } فيما كانوا يجادلون به النبي صلى الله عليه وسلم قولان:
أحدهما: أنهم كانوا يجادلونه بما ذكره الله تعالى من قوله عنهم: { إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }، قال الحسن.
والثاني: هو قولهم: تأكلون ما قتلتم ولا تاكلون ما قتل ربكم، قاله ابن عباس.
ومعنى { أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } أي أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها في كتبهم، وقيل: إن جادلهم بهذا النضر بن الحارث.
قوله عز وجل: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأوْنَ عَنْهُ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يَنْهَون عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ويتباعدون عنه فراراً منه، قاله محمد ابن الحنفية، والحسن، والسدي.
والثاني: يَنْهَون عن القرآن أن يُعْمَل بما فيه، ويتباعدون من سماعه كيلا يسبق إلى قلوبهم العلم بصحته، قاله مجاهد، وقتادة.
والثالث: ينهون عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم، ويتباعدون عن اتباعه، قال ابن عباس: نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم، ويتباعد عما جاء به، فلا يؤمن به مع وضوح صدقه في نفسه.
واستشهد مقاتل بما دل على ذلك عن شعر أبي طالب بقوله:

ودعوتني وزَعَمْتَ أنَّكَ ناصِحِي فلقَدْ صَدَقْت وكُنْتَ ثَمَّ أميناً

وعرضتَ ديناً قد علِمْتُ بأنه
من خيْرِ أَدْيانِ البَرِيةِ دِيناً

لولا الذَّمَامَةُ أو أُحَاذِرُ سُبَّةً لَوَجَدْتَني سَمْحاً بذالك مُبِيناً

فاذهب لأمرك ما عليك غَضَاضَةٌ
وابشِرْ بذاك وقَرَّ مِنَكَ عيوناً

والله لن يَصِلُوا إيك بِجَمْعِهم حتى أُوسَّدَ في التُّرابِ دَفِيناً

فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو طالب: أما أن أدخل في دينك فلا، قال ابن عباس: لسابق القضاء في اللوح المحفوظ، وبه قال عطاء، والقاسم.