قوله عز وجل: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } اختلف
أهل العربية في معنى قوله: { فبما أغويتني } على قولين:
أحدهما: أنه على معنى القسم وتقديره: فبإغوائك لي لأقعدن لهم صراطك
المستقيم.
والثاني: أنه على معنى المجازاة، تقديره: فلأنك أغويتني لأقعدن لهم
صراطك المستقيم.
واختلف أهل العلم في قوله: { أَغْوَيْتَنِي } على أربعة أقاويل:
أحدها: معناه أضللتني، قاله ابن عباس وابن زيد.
والثاني: معناه خيبتني من جنتك، ومنه قول الشاعر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً
أي ومن يخب.
والثالث: معناه عذبتني كقوله تعالى: { { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَياً } [مريم: 59] أي
عذاباً، قاله الحسن.
والرابع: معناه أهلكتني بلعنك لي، يقال غوى الفصيل إذا أشفى على الهلاك
بفقد اللبن، قال الشاعر:
معطفة الأثناء ليس فصيلها برازئها دراً ولا ميِّت غوى
وقوله: { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي على صراطك المستقيم، وفيه
تأويلان:
أحدهما: طريق مكة ليصد عن قصدها في الحج والعمرة، قاله ابن مسعود.
والثاني: طريق الحق ليصد عنها بالإغواء، قاله مجاهد.
قوله عز وجل: { ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِّنَ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ... } الآية. فيه أربعة تأويلات:
أحدها: { مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي أشككهم في آخرتهم، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ }
أرغبهم في دنياهم، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ }: أي من قبل حسناتهم، { وَعَن شَمَآئِلِهِم } من قبل سيئاتهم، قاله ابن عباس.
والثاني: { مِنّ بَيْنِ أيْدِيهِمْ }: من قبل، دنياهم، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ }: من قبل آخرتهم، { وَعَنْ أَيْمَأنِهِمْ }: الحق أشككهم فيه، { وَعَن شَمَآئِلِهِم }: الباطل أرغبهم فيه، قاله السدي وإبراهيم.
والثالث: { مِنّ بَيْنِ أَيْدِيهِم } { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من حيث ينظرون، { وَمِنْ خَلْفِهِم } { وَعَنْ شَمَائِلِهِم }: من حيث لا يبصرون، قاله مجاهد.
والرابع: أراد من كل الجهات التي يمكن الاحتيال عليهم منها، ولم يذكر من
فوقهم لأن رحمة الله تصده، ولا من تحت أرجلهم لما فيه التنفير، قاله بعض
المتأخرين.
ويحتمل تأويلاً خامساً: { مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم }: فيما بقي من أعمارهم فلا
يقدمون على طاعة، { وَمِنْ خَلْفِهِم }: فيما مضى من أعمارهم فلا يتوبون عن
معصية، { وَعَنْ أَيْمَانِهِم }: من قبل غناهم فلا ينفقونه في مشكور، { وَعَن
شَمَائِلِهِمِ }: من قبل فقرهم فلا يمتنعون فيه عن محظور.
ويحتمل سادساً: { مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم }: بسط أملهم، { وَمِنْ خَلْفِهِم } تحكيم
جهلهم، { وعن أيمانهم }: فيما ييسر لهم، { وَعَن شَمَائِلِهِم }: فيما تعسر عليهم،
ثم قال: { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } يحتمل وجهين:
أحدهما: شاكرين لنعمك.
والثاني: مقيمين على طاعتك.
فإن قيل: فكيف علم إبليس ذلك؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنه ظن ذلك فصدق ظنه، كما قال تعالى: { { وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِم
إِبْلِيس ظَنَّهُ } [سبأ: 20] وسبب ظنه أنَّه لما أغوى آدم واستزله قال: ذرية هذا أضعف
منه، قاله الحسن.
والثاني: أنه يجوز أن يكون علم ذلك من جهة الملائكة بخبر من الله.