قوله: { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } عذابُنا، { جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا }، وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات وهي خمس مدائن، وفيها أربعمائة ألف. وقيل: أربعة آلاف ألف، فرفع المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة، ونباح الكلاب، فلم يُكفأ لهم إناءٌ ولم ينتبه نائمٌ، ثم قَلَبها فجعل عاليها سافلها. { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا }، أي على شذاذها ومسافريها. وقيل: بعدما قلبها أمطر عليها، { حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ }، قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير: (سنك وكل) فارسي معرب. وقال قتادة وعكرمة: السجيل الطين، دليله قوله عزّ وجلّ:
{ { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [الذاريات: 33].
قال مجاهد: أولها حجر وأخرها طين.
وقال الحسن: كان أصل الحجارة طيناً فشددت.
وقال الضحاك: يعني الآجر.
وقيل: السجيل اسم السماء الدنيا.
وقيل: هو جبال في السماء، قال الله تعالى:
{ { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور: 43].
قوله تعالى: { مَّنْضُودٍ }، قال ابن عباس رضي الله عنهما: متتابع، يتبع بعضها بعضاً، مفعول من النضد، وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض.
{ مُسَوَّمَةً }، من نعت الحجارة، وهي نصب على الحال، ومعناها معلمة: قال ابن جريج: عليها سيما لاتُشَاكِلُ حجارة الأرض.
وقال قتادة وعكرمة: عليها خطوط حمر على هيئة الجزع.
وقال الحسن والسدي: كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم.
وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رمى به.
{ عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِىَ }، يعني: تلك الحجارة، { مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }، أي: من مشركي مكة، { بِبَعِيدٍ }، وقال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الأمة، واللّهِ ما أجار اللّهُ منها ظالماً بعدُ.
وفي بعض الآثار: «مَا مِنْ ظالمٍ إلاّ وهو بعرضِ حجرٍ يسقط عليه من ساعة إلى ساعة».
ورُوي: أن الحجر اتّبع شذاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلاد، ودخل رجل منهم الحرم فكان الحجر معلقاً في السماء أربعين يوماً حتى خرج فأصابه فأهلكه.
قوله عزّ وجلّ: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ }، أي: وأرسلنا إلى ولد مدين، { أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ }، أي: لا تبخسوا، وهم كانوا يُطفّفون مع شِرْكهم، { إِنِّىۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ }، قال ابن عباس: موسرين في نعمة. وقال مجاهد: في خصب وسعة، فحذّرهم زوال النعمة، وغلاء السعر، وحلول النقمة، إن لم يتوبوا. فقال: { وَإِنِّىۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ }، يحيط بكم فيهلككم.