{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا }، أي: أهلَ القرية وهي مصر. قال ابن عباس: هي قرية من قرى مصر كانوا ارتحلوا منها إلى مصر. { وَٱلْعِيرَ ٱلَّتِىۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا }، أي: القافلة التي كنا فيها. وكان صَحِبَهم قوم من كنعان من جيران يعقوب.
قال ابن إسحاق: عرف الأخ المحتبس بمصر أن إخوته أهل تهمة عند أبيهم لِما كانوا يصنعوا في أمر يوسف، فأمرهم أن يقولوا هذا لأبيهم.
{ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ }.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف أن يعمل مثل هذا بأبيه ولم يخبره بمكانه، وحبس أخاه مع علمه بشدة وجد أبيه عليه، وفيه معنى العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة؟.
قيل: قد أكثر الناس فيه، والصحيح أنه عمل ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى، أمره بذلك، ليزيد في بلاء يعقوب فيضاعف له الأجر ويلحقه في الدرجة بآبائه الماضين.
وقيل: إنه لم يظهر نفسه لإِخوته لأنه لم يأمن أن يدبروا في أمره تدبيراً فيكتموه عن أبيه، والأول أصح.
{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ }، زيّنت، { أَنفُسُكُمْ أَمْراً }، وفيه اختصار معناه: فرجعوا إلى أبيهم وذكروا لأبيهم ما قال كبيرهم، فقال يعقوب: { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً }، أي: حمل أخيكم إلى مصر لطلب نفع عاجل.
{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعاً }، يعني: يوسف، وبنيامين، وأخاهم المقيم بمصر.
{ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ }، بحزني ووجدي على فقدهم، { ٱلْحَكِيمُ }، في تدبير خلقه.
قوله تعالى: { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ }، وذلك أن يعقوب عليه السلام لمّا بلغه خبر بنيامين تتامَّ حزنه وبلغ جهده، وتهيج حزنه على يوسف فأعرض عنهم، { وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ }، يا حزناه، { عَلَىٰ يُوسُفَ }، والأسفُ أشدُّ الحزن، { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ }، يعني: عُمي بصره. قال مقاتل: لم يبصر بهما ست سنين، { فَهُوَ كَظِيمٌ }، أي: مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه. قال قتادة: تردد حزنه في جوفه ولم يقل إلاّ خيراً. وقال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عاماً لا تجف عينا يعقوب وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله من يعقوب.