قوله عزّ وجلّ: { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }، يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به.
قال قتادة: وهو الأكنَّة، والمستور بمعنى الساتر كقوله:
{ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } [مريم: 61] مفعول بمعنى الفاعل.
وقيل: مستوراً عن أعين الناس فلا يرونه.
وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة، كما روي عن سعيد بن جبير أنه
" لما نزلت: { تبت يدا أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكرٍ، فلم تَرَهُ، فقالت لأبي بكر: أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني؟ فقال: والله ما ينطق بالشعر، ولا يقوله، فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه، فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله، قال: لا، لم يزل مَلَكٌ بيني وبينها يسترني" .
{ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً }، أغطية، { أَن يَفْقَهُوهُ }، كراهية أن يفقهوه. وقيل: لئلا يفقهوه، { وَفِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا }، ثقلاً لئلا يسمعوه. { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ }، يعني إذا قلت: لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه، { وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً }، جمع "نافر"، مثل: قاعد، وقعود، وجالس، وجلوس، أي نافرين.
{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ }، قيل: "به" صلة، أي: يطلبون سماعه، { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ }، وأنت تقرأ القرآن، { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ }، يتناجون في أمرك. وقيل: ذووا نجوى، فبعضهم يقول هذا مجنون، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: شاعر. { إِذْ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ }، يعني: الوليد بن المغيرة وأصحابه، { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا }، مطبوبا. وقال مجاهد: مخدوعاً. وقيل: مصروفاً عن الحق. يقال: ما سحرك عن كذا أي ما صرفك؟
وقال أبو عبيدة: أي رجلاً له سحر، والسحر: الرئة، أي: إنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب. قال الشاعر:
أُرَانَا مُوضِعِيْنَ لحَتْمِ غَيْبٍ ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرَابِ
أي: نغذَّىٰ ونعلل.