{ قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ }، وقال وهب: أتاها زكريا عند مناظرتها اليهود، فقال لعيسى: انطق بحجتك إن كنت أمرت بها، فقال عند ذلك عيسى عليه السلام وهو ابن أربعين يوماً ـ وقال مقاتل: بل هو يوم ولد ـ: إني عبد الله، أقرّ على نفسه بالعبودية لله عزّ وجلّ أول ما تكلم لئلا يتخذ إلهاً، { ءَاتَانِىَ ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً }، قيل: معناه سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبياً.
وقيل: هذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ، كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: متى كنت نبياً؟ قال:
"كنتُ نبياً وآدم بين الروح والجسد" وقال الأكثرون أوتيَ الإِنجيل وهو صغير طفل، وكان يعقل عقل الرجال.
وعن الحسن: أنه قال: أُلْهِم التوراة وهو في بطن أمه.
{ وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ }، أي نفّاعاً حيث ما توجهت. وقال مجاهد: معلماً للخير. وقال عطاء: أدعو إلى الله وإلى توحيده وعبادته. وقيل: مباركاً على من تبعني.
{ وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ }، أي: أمرني بهما.
فإن قيل: لمْ يكن لعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة؟
قيل: معناه بالزكاة لو كان لي مال وقيل: بالاستكثار من الخير.
{ مَا دُمْتُ حَيّاً }.
{ وَبَرّاً بِوَالِدَتِى } أي وجعلني براً بوالدتي، { وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً }، أي عاصياً لربه. قيل: "الشَّقِيُّ": الذي يذنب ولا يتوب.
{ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ }، أي: السلامة عند الولادة من طعن الشيطان. { وَيَوْمَ أَمُوتُ }، أي عند الموت من الشرك، { وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }، من الأهوال. ولما كلَّمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم، ثم سكت عيسى عليه السلام، فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان.