{ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ }، قال ابن عباس: الفزع الأكبر: النفخة الأخيرة بدليل قوله عزّ وجلّ:
{ { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } [النمل: 87]، قال الحسن: حين يؤمر بالعبد إلى النار. قال ابن جريج: حين يذبح الموت ويُنادى يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وقال سعيد بن جبير والضحاك: هو أن تطبق عليهم جهنم وذلك بعد أن يُخرج الله منها من يريد أن يخرجه. { وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ }، أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنؤونهم، ويقولون: { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ }.
{ يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَآءَ }، قرأ أبو جعفر: { تُطوى } بالتاء وضمها وفتح الواو، { والسماء }، رفع على المجهول، وقرأ العامة بالنون وفتحها وكسر الواو، { والسماء } نصب، { كَطَىِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ }، قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم للكتب على الجمع، وقرأ الآخرون للكتاب على الواحد، واختلفوا في السجل، فقال السدي: السجل ملك يكتب أعمال العباد، واللام زائدة، أي: كطي السجل الكتب كقوله:
{ { رَدِفَ لَكُم } [النمل: 72]، اللام فيه زائدة، وقال ابن عباس ومجاهد والأكثرون: السجل الصحيفة للكتب أي لأجل ما كتب معناه كطي الصحيفة على مكتوبها، والسجل اسم مشتق من المساجلة وهي المكاتبة، والطي هو الدرج الذي هو ضد النشر، { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ }، أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة، نظيره قوله تعالى: { { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 94]. وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم محشورون حفاةً عراةً غرلاً" ، ثم قرأ: { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ }، { وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ }، يعني الإِعادة والبعث.
قوله عز وجل: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ }، قال سعيد بن جبير ومجاهد: الزبور جميع الكتب المنزلة، والذكر أمّ الكتاب الذي عنده، والمعنى من بعد ما كتب ذكره في اللوح المحفوظ.
وقال ابن عباس والضحاك: الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة.
وقال الشعبي. الزبور كتاب داود، [والذكر التوراة. وقيل: الزبور زبور داود] والذكر القرآن، وبعد بمعنى قبل، كقوله تعالى:
{ { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } [الكهف: 79]: أي أمامهم، { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } [النازعات: 30] أي: قبله، { أَنَّ ٱلأَرْضَ }، يعني أرض الجنة، { يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ }، قال مجاهد: يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى: { { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } [الزمر: 74]، وقال ابن عباس: أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين. وقيل: أراد بالأرض الأرضَ المقدسة.