قوله عز وجل: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ }، قال ابن عباس: يعني شريعة هم عاملون بها. وروى عنه أنه قال: عيداً. قال قتادة ومجاهد: موضع قربان يذبحون فيه. وقيل: موضع عبادة. وقيل: مَألفاً يألفونه.
والمنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد لعمل خير أو شر، ومنه "مناسك الحج" لتردد الناس إلى أماكن أعمال الحج.
{ فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ فِى ٱلأَمْرِ }، يعني في أمر الذبائح. نزلت في بُدَيْل بن ورقاء، وبشر بن سفيان، ويزيد بن خنيس قالوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: مالكم تأكلون مما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون مما قتله الله؟
قال الزجاج: معنى قوله: { فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ } أي: لا تنازعهم أنت، كما يقال: لا يخاصمك فلان، أي: لا تخاصمه، وهذا جائز فيما يكون بين الإِثنين، ولا يجوز: لا يضربنك فلان، وأنت تريد: لا تضربه، وذلك أن المنازعة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا ترك أحدهما فلا مخاصة هناك.
{ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ }، إلى الإِيمان بربك، { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }.
{ وَإِن جَـٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }.
{ ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }، فتعرفون حينئذ الحق من الباطل. والاختلاف: ذهاب كل واحد من الخصمين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر.
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ }، كله، { فِى كِتَـٰبٍ }، يعني اللوح المحفوظ، { إِنَّ ذَٰلِكَ } يعني: علمه بجميع ذلك، { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }.
{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً }، حجة، { وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ }، يعني أنهم فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم، { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ }، للمشركين، { مِن نَّصِيرٍ }، مانع يمنعهم من عذاب الله.
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ }، يعني: القرآن، { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنكَرَ }، يعني الإِنكار يتبين ذلك في وجوههم من الكراهية والعبوس، { يَكَـٰدُونَ يَسْطُونَ }، أي: يقعون ويبسطون إليهم أيديهم بالسوء. وقيل: يبطشون، { بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِنَا }، أي: بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ. يقال: سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش والعنف، وأصل السطو: القهر.
{ قُلْ }، يا محمد، { أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ }، أي: بشرٍّ لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تستمعون، { ٱلنَّارُ } أي: هي النار، { وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }.