خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً
٧
أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً
٨
ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً
٩
تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً
١٠
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً
١٢
-الفرقان

معالم التنزيل

{ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم، { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ }، كما نأكل نحن، { وَيَمْشِى فِى ٱلأَسْوَاقِ }، يلتمس المعاش كما نمشي، فلا يجوز أن يمتاز عنّا بالنبوة، وكانوا يقولون له: لست أنت بمَلَك ولا بِملِك، لأنك تأكل والمَلَك لا يأكل، ولست بملِك لأن الملِك لا يتسوق، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد؛ لأن أكله الطعام لكونه آدمياً، ومشيه في الأسواق لتواضعه، وكان ذلك صفة له، وشيءٌ من ذلك لا ينافي النبوة. { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ }، فيصدقه، { فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً }، داعياً.

{ أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } أي: ينزل عليه كنز من السماء ينفقه، فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب المعاش، { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ }، بستان، { يَأْكُلُ مِنْهَا }، قرأ حمزة والكسائي: «نأكل» بالنون أي: نأكل نحن منها،{ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً }، مخدوعاً. وقيل: مصروفا عن الحق.

{ ٱنظُرْ } يا محمد، { كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَـٰلَ }، يعني الأشباه، فقالوا: مسحور، محتاج، وغيره، { فَضَلُّواْ }، عن الحق، { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً }، إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة.

{ تَبَارَكَ ٱلَّذِىۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ }، الذي قالوا: أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش. ثم بيّن ذلك الخير فقال: { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً }، بيوتاً مشيدة، والعرب تسمي كل بيت مشيّد قصراً، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم برواية أبي بكر: "ويجعلُ" برفع اللام، وقرأ الآخرون بجزمها على محل الجزاء في قوله: { إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ }.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، حدثني عبيد الله بن زحر، عن علي بن زيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، و قال ثلاثاً أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعتُ إليك وذكرتُك، وإذا شبعتُ حمدتُك وشكرتُك" .

حدثنا أبو طاهرٍ المطهَّرُ بن علي بن عبيد الله الفارسيُّ، أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا أبو معشر عن سعيد يعني المقبري، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو شئتُ لسارت معي جبال الذهب، جاءني مَلَكٌ أن حُجْزَتَهُ لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول إن شئتَ نبياً عبداً، وإن شئت نبياً مَلِكاً فنظرت إلى جبريل فأشار إليّ أنْ ضَعْ نفسك، فقلت: نبياً عبداً قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئاً يقول: آكل كما يأكل العبد, وأجلس كما يجلس العبد" .

قوله عزّ وجلّ: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } بالقيامة، { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً }، ناراً مستعرة.

{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }، قال الكلبيّ والسدي: من مسيرة عام. وقيل: من مسيرة مائة سنة. وقيل: خمسمائة سنة. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنّم مقعداً" . قالوا: وهل لها من عينين؟ قال: نعم ألم تستمعوا قول الله تعالى: { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }. وقيل إذا رأتهم زبانيتها. { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } غلياناً, كالغضبان إذا غَلَى صدره من الغضب. { وَزَفِيراً } صوتاً.

فإن قيل: كيف يسمع التغيظ؟ قيل: معناه رأوا وعلموا أن لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً، كما قال الشاعر:

ورأيتُ زوجَكِ في الوَغَى مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحاً

أي وحاملاً رمحاً.

وقيل: سمعوا لها تغيظاً، أي: صوت التغيظ من التلهب والتوقد، قال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى مَلَك مقرَّب ولا نبي مرسل إلا خرَّ لوجهه.