خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً
٦٣
وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
٦٤
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
٦٥
إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
٦٦
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
٦٧
-الفرقان

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ }، يعني: أفاضل العباد. وقيل: هذه الإِضافة للتخصيص والتفضيل، وإلا فالخلق كلهم عباد الله. { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً }، أي: بالسكينة والوقار متواضعين غير أشِرين ولا مرحين، ولا متكبرين. وقال الحسن: علماء وحكماء. وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون، وإن سُفه عليهم حلموا، و"الهَوْن" في اللغة: الرفق واللين.

{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ }، يعني السفهاء بما يكرهون، { قَالُواْ سَلاَماً }، قال مجاهد: سداداً من القول. وقال مقاتل بن حيان: قولاً يسلمون فيه من الإِثم. وقال الحسن: إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا، وليس المراد منه السلام المعروف. وروي عن الحسن: معناه سلموا عليهم، دليله قوله عزّ وجلّ: { { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } [القصص: 55].

قال الكلبي وأبو العالية: هذا قبل أن يؤمر بالقتال، ثم نسختها آية القتال.

وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: هذا وصف نهارهم، ثم قرأ { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً } قال: هذا وصف ليلهم.

قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ }، يقال لمن أدرك الليل: بات نام أو لم ينم، يقال: بات فلان قَلِقَاً، والمعنى: يبيتون لربهم بالليل في الصلاة، { سُجَّداً }، على وجوههم، { وَقِيَـٰماً } على أقدامهم. قال ابن عباس: من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجداً وقائماً.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد ابن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا أبو نعيم عن سفيان، عن عثمان بن حكيم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله" .

قوله عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي: مُلِحِّاً دائماً، لازماً غير مفارقٍ من عذب به من الكفار، ومنه سمي الغريم لطلبه حقه وإلحاحة على صاحبه وملازمته إياه. قال محمد بن كعب القرظي: سأل الله الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوا فأغرمهم فيه، فبقوا في النار، وقال الحسن: كل غريم يفارق غريمه إلا جهنّم. و"الغَرَام" الشر اللازم، وقيل: "غراماً" هلاكاً.

{ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }، أي: بئس موضع قرار وإقامه.

{ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ }، قرأ ابن كثير وأهل البصرة «يقتروا» بفتح الياء وكسر التاء، وقرأ أهل المدينة وابن عامر بضم الياء وكسر التاء، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم التاء، وكلها لغات صحيحة. يقال: أقتر وقتَّر بالتشديد، وقتّر يُقَتِّر.

واختلفوا في معنى الإِسراف والإِقتار، فقال بعضهم: "الإِسراف" النفقة في معصية الله وإن قلَّتْ، و"الإِقتار": منع حق الله تعالى. وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج. وقال الحسن في هذه الآية لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله.

وقال قوم: "الإِسراف": مجاوزة الحد في الإِنفاق، حتى يدخل في حد التبذير، و"الإِقتار": التقصير عمّا لا بدّ منه، وهذا معنى قول إبراهيم: لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف.

{ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }، قصداً وسطاً بين الإِسراف والإِقتار، حسنةٌ بين السيئتين. وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوباً للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدُّ عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم، ومن الثياب ما يستر عوراتهم ويُكِنُّهم من الحر والقر.

قال عمر بن الخطاب: كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا اشتراه فأكله.