خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
١٥
-القصص

معالم التنزيل

قوله تعالى: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ }، يعني: دخل موسى المدينة. قال السدي: هي مدينة "منف" من أرض مصر. وقال مقاتل: كانت قرية "حابين" على رأس فرسخين من مصر. وقيل: مدينة "عين الشمس"، { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }، وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة. وقال محمد بن كعب القرظي: دخلها فيما بين المغرب والعشاء.

واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت؛ قال السدي: وذلك أن موسى عليه السلام كان يُسمى ابن فرعون، فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب، فركب في أثره فأدركه المقبل بأرض "منف" فدخلها نصف النهار، وليس في طرفها أحد، فذلك قوله عزّ وجلّ: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }.

قال ابن إسحاق: كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به، فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه، فخالفهم في دينه حتى ذكر ذلك منه وخافوه وخافهم، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخيفاً، فدخلها يوماً على حين غفلة من أهلها.

وقال ابن زيد: لما علا موسى فرعونَ بالعصا في صغره، فأراد فرعون قتله فقالت امرأته: هو صغير، فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته فلم يدخل عليهم إلا بعد أن كبر وبلغ أشده فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، يعني: عن ذكر موسى، أي من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم به.

وروي عن علي في قوله: "حين غفلة" كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم.

{ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ }، يختصمان ويتنازعان، { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ }، من بني إسرائيل{ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ }، من القبط، قيل: الذي كان من شيعته السامري، والذي من عدوه من القبط، قيل: طباخ فرعون اسمه فليثون. وقيل: "هذا من شيعته. وهذا من عدوه" أي: هذا مؤمن وهذا كافر، وكان القبطي يسخّر الإِسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ.

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع، وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم، فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون، { فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ }، فاستغاثه الإِسرائيلي على الفرعوني، والاستغاثة: طلب الغوث، فغضب موسى واشتد غضبه؛ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة من أم موسى، فقال للفرعوني: خلِّ سبيله، فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، فنازعه، فقال الفرعوني: لقد هممت أن أحمله عليك، وكان موسى قد أُتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش، { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ }، وقرأ ابن مسعود «فلكزه موسى»، ومعناهما واحد، وهو الضرب بجميع الكف. وقيل: "الوكز" الضرب في الصدر و"اللكز" في الظهر. وقال الفراء: معناهما واحد، وهو الدفع، قال أبو عبيدة: الوكز الدفع بأطراف الأصابع، وفي بعض التفاسير: عقد موسى ثلاثاً وثمانين وضربه في صدره، { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ }، أي: فقتله وفرغ من أمره، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه، فندم موسى عليه ولم يكن قصدُه القتل، فدفنه في الرمل، { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }، أي بيّن الضلالة.