{ فَلَمَّآ أَتَـٰهَا نُودِىَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِى ٱلأَيْمَنِ }، من جانب الوادي الذي عن يمين موسى، { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ }، لموسى، جعلها مباركة لأن الله كلّم موسى هناك وبعثه نبياً. وقال عطاء: يريد المقدسة، { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ }، من ناحية الشجرة. قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة.
قال وهب من العُلَّيق، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها العنَّاب، { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّىۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }.
{ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ }، تتحرك، { كَأَنَّهَا جَآنٌّ }، وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها، { وَلَّىٰ مُدْبِراً }، هارباً منها، { وَلَمْ يُعَقِّبْ } ولم يرجع، فنودي، { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ }.
{ ٱسْلُكْ }، أدخل { يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ }، برص، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ }، قرأ أهل الكوفة والشام بضم الراء وسكون الهاء، وبفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف.
ومعنى الآية: إذا هَالَكَ أمرُ يدك وما ترى من شعاعها فأدخِلْها في جيبك تعدْ إلى حالتها الأولى.
و"الجناح": اليد كلها. وقيل: هو العضد. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
وقال مجاهد: كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع.
وقيل: المراد من ضم الجناح السكون أي: سكن روعك واخفض عليك جأنبك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، ومثله قوله:
{ { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [الإسراء: 24]، يريد الرفق، وقوله: { { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤمِنِينَ } [الشعراء: 215]، أي: ارفق بهم وأَلِنْ جانبك لهم. وقال الفراء: أراد بالجناح العصا، معناه: أضمم إليك عصاك.
وقيل: "الرَّهْب" الكُمْ بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك، أي: في كمك، معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه.
{ فَذَانِكَ }، يعني: العصا واليد البيضاء، { بُرْهَانَـٰنِ }، آيتان، { مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }.
{ قَالَ رَبِّ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ }.
{ وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً }, وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه، { فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً }، عوناً، يقال ردأته أي: أعنته، قرأ نافع «رداً» بفتح الدال من غير همز طلباً للخفة، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزاً، { يُصَدِّقُنِى }، قرأ عاصم، وحمزة: برفع القاف على الحال، أي: ردءاً مصدقاً، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع، قال مقاتل: لكي يصدقني فرعون، { إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }، يعني فرعون وقومه.