قوله تعالى: { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }.
{ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ }، قرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء فيهما، إخبار عن الأمة القائمة، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما، لقوله { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ }، وأبو عمرو يرَى القراءتين جميعاً، ومعنى الآية: وما تفعلوا من خير فلن تُعدموا ثوابَه، بل يشكر لكم وتجازون عليه، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ }، بالمؤمنين.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً }، أي: لا تدفع أموالهم بالفدية وأولادهم بالنصرة شيئاً من عذاب الله، وخصهما بالذكر لأن الإِنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد. { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }، وإنّما جعلهم من أصحابها لأنهم أهلها لا يخرجون منها ولا يُفارقونها، كصاحب الرجل لا يفارقه.
{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }، قيل: أراد نفقات أبي سفيان وأصحابه ببدرٍ وأُحد على عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال مقاتل: نفقة اليهود على علمائهم، قال مجاهد: يعني جميع نفقات الكفار [في الدنيا] وصدقاتهم، وقيل: أراد إنفاق المرائي الذي لا يبتغي به وجهَ الله تعالى، { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ }، [حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها السَّموم الحارة التي تقتل، وقيل:] فيها صِرٌّ أي: صوت، وأكثر المفسرين قالوا: فيها برد شديد، { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ } زرعَ قوم، { ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ }، بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى، { فَأَهْلَكَتْهُ }. فمعنى الآية: مثل نفقات الكفار في ذهابها وقت الحاجة إليها كمثل زرع أصابته ريح باردة فأهلكته أو نار فأحرقته فلم ينتفع أصحابه منه بشيء، { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ }، بذلك، { وَلَـٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }، بالكفر والمعصية.