{إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ} أي: تَجْبُنا وتضْعُفا وتتخلّفا، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج إلى أُحد في ألف رجل، وقيل: في تسعمائة وخمسين رجلاً، فلما بلغوا الشَّوْط انخذل عبد الله بن أُبي بثلث الناس ورجع في ثلاث مائة، وقال: علامَ نقتل أنفسَنا وأولادَنا؟ فتبعهم أبو جابر السلمي فقال: أنشدكم بالله في نبيكم وفي أنفسكم، فقال عبد الله بن أُبي: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وهمّتْ بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أُبي، فعصمهم الله فلم ينصرفوا فذكرهم الله عظيمَ نعمتِه، فقال عزّ وجلّ: {إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ واللهُ وَلِيُّهُمَا} ناصرهما وحافظهما.
{وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ}،
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن يوسف عن ابن عيينة عن عمرو عن جابر قال: نزلت هذه الآية فينا {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وَلِيُّهُمَا} بنو سلمة وبنو حارثة، وما أُحب أنها لم تنزل، والله يقول: {وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا}.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ}، وبدر موضع بين مكة والمدينة وهو اسم لموضع، وعليه الأكثرون، وقيل: اسم لبئر هناك، وقيل: كانت بدر بئراً لرجل يقال له بدر، قاله الشعبي، وأنكر الآخرون عليه. يذكر الله تعالى في هذه الآية مِنّتَهُ عليهم بالنصرة يومَ بدر، {وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ}، جمع: ذليل، وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فنصرهم الله مع قلة عَدَدِهم، {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ}، اختلفوا في هذه الآية فقال قتادة: كان هذا يوم بدر، أمدّهم الله تعالى بألفٍ من الملائكة كما قال:
{ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ } [الأنفال: 9] ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف كما ذكر هاهنا {بِثَلاَثَةِ ءَالاَفٍ مِّنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ مُنزَلِينَ}.