خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً
٢٧
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً
٢٨
وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً
٢٩
-الأحزاب

معالم التنزيل

{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـٰرَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا }، بعد، قال ابن زيد ومقاتل: يعني خيبر، قال قتادة: كنا نحدث أنها مكة. وقال الحسن: فارس والروم. وقال عكرمة: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيراً }.

قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ }، متعة الطلاق، { وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }.

{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلأَخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }، سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئاً من عَرَض الدنيا، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فهجرهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهنّ شهراً ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا ما شأنه؟ وكانوا يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقال عمر: لأعلمنّ لكم شأنه، قال: فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أطلقتهنّ؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهنّ؟ قال: نعم إن شئت، قال: فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فنزلت هذه الآية: { { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83]، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله آية التخيير. وكانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية، وسودة بنت زمعة، وغير القرشيات: زينب بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة، رضوان الله عليهنّ، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيّرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعتها على ذلك.

قال قتادة: فلما اخترن الله ورسوله شكرهنّ الله على ذلك وقصره عليهن فقال:{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغفار بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن الحجاج، أخبرنا زهير بن حرب، أخبرنا روح بن عُبادة، أخبرنا زكريا بن إسحاق، أخبرنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوساً ببابه ولم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، فقال: لأقولنّ شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هُنَّ حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهنّ شهراً أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاَْزْوَٰجِكَ }، حتى بلغ: { لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }، قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبويّ؟ بل أختار اللَّهَ ورسولَه وأختار الدارَ الآخرة، وأسألك أن لا تخبرَ امرأةً من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألني امرأةٌ منهن إلا أخبرتُها أن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً" .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أنْ لا يدخل على نسائه شهراً، قال الزهري فأخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: فلما مضت تسع وعشرون أعدُّهنّ دخل عليّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: حين بدأ بي: يا رسول الله إنك أقسمت ألاّ تدخل علينا شهراً وإنك دخلت في تسع وعشرين أعدهنّ؟ فقال: إن الشهر تسع وعشرون" .

واختلف العلماء في هذا الخيار أنه هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أم لا؟ فذهب الحسن، وقتادة، وأكثر أهل العلم: إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما خيرهنّ على أنهنّ إذا اخترن الدنيا فارقهن، لقوله تعالى: { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }، بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة: "لا تعجلي حتى تستشيري أبويك"، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور.

وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق لو اخترن أنفسهن كان طلاقاً.

واختلف أهل العلم في حكم التخيير، فقال عمر، وابن مسعود وابن عباس: إذا خيّر الرجلُ امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء، وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وسفيان، والشافعي، وأصحاب الرأي، إلا أن عند أصحاب الرأي تقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها، وعند الآخرين رجعية.

وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فثلاث، وهو قول الحسن وبه قال مالك.

وروي عن علي أيضاً أنها إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة وإن اختارت نفسها فطلقة بائنة.

وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أحبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عمر بن حفص، أخبرنا أبي، أخبرنا الأعمش، أخبرنا مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا اللَّهَ ورسولَه فلم يعدّ ذلك علينا شيئاً.