خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ
٢١
قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ
٢٢
وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٢٣
-سبأ

معالم التنزيل

قال الله تعالى: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَـٰنٍ }، أي: ما كان تسليطنا إياه عليهم، { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلأَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ }، أي: إلا لنعلم، لنرى ونميز المؤمن من الكافر، وأراد علم الوقوع والظهور، وقد كان معلوماً عنده بالغيب، { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفُيظٌ }، رقيب.

{ قُلِ }، يا محمد لكفار مكة، { ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ }، أنهم آلهة، { مِّن دُونِ ٱللَّهِ }، وفي الآية حذف، أي: ادعوهم ليكشفوا الضرّ الذي نزل بكم في سني الجوع، ثم وصفها فقال: { لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ }، من خير وشر ونفع وضر { وَمَا لَهُمْ }، أي: للآلهة، { فِيهِمَا }، في السموات والأرض، { مِنْ شِرك }، شركة، { وَمَا لَهُ }، أي: وما لله، { مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ }، عون.

{ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }، الله في الشفاعة، قاله تكذيباً لهم حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله في أن يشفع له، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: { أَذِنَ } بضم الهمزة، { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ }، قرأ ابن عامر، ويعقوب بفتح الفاء والزاي، وقرأ الآخرون بضم الفاء وكسر الزاي أي: كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم، فالتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتفريد.

واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة، فقال قوم: هم الملائكة، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم: إنما يفزع عن قلوبهم من غشية نصيبهم عند سماع كلام الله عزّ وجلّ. وروينا عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم { قَالُواْ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ }" .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، قال أنبأني محمد بن الفضل بن محمد، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، أخبرنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري، أخبرنا نعيم بن حماد، أخبرنا أبو الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة خوفاً من الله تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمرّ جبريل على الملائكة كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله" .

وقال بعضهم: إنما يفزعون حذراً من قيام الساعة.

قال مقاتل والكلبي والسدي: كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، خمسمائة وخمسين سنة، وقيل ستمائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحياً، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالرسالة فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم عند أهل السموات من أشراطِ الساعة، فصعقوا مما سمعوا خوفاً من قيام الساعة، فلما انحدر جبريل جعل يمرّ بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ قالوا: قال الحق يعني الوحي، وهو العلي الكبير.

وقال جماعة: الموصوفون بذلك المشركون.

قال الحسن وابن زيد: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق فأقروا به حين لا ينفعهم الإِقرار.