خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
٧
أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ
٨
أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٩
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ
١٠
-سبأ

معالم التنزيل

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }، منكرين للبعث متعجبين منه، { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ }، يخبركم، يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم، { إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }، قُطّعتم كل تقطيع وفُرِّقْتُم كل تفريق وصرتم تراباً { إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ }، يقول لكم: إنكم لفي خلق جديد.

{ أَفْتَرَىٰ }، ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ولذلك نصبت، { عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ }، يقولون: أزعم كذباً أم به جنون؟.

قال الله تعالى رداً عليهم: { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ }، من الحق في الدنيا.

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها، وأنا القادر عليهم، { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ }، قرأ الكسائي: «نخسف بهم» بإدغام الفاء في الباء، { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }، قرأ حمزة والكسائي: «إن يشأ يخسف أو يسقط»، بالياء فيهن لذكر الله من قبل، وقرأ الآخرون بالنون فيهن { إِنَّ فِى ذَلِكَ }، أي: فيما ترون من السماء والأرض، { لاََيَةً }، تدل على قدرتنا على البعث، { لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }، تائب راجع إلى الله بقلبه.

قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً }، يعني النبوة والكتاب، وقيل: الملك. وقيل: جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خُص به، { يَٰجِبَالُ }، أي: وقلنا يا جبال، { أَوِّبِى }، أي: سبحي، { مَعَهُ }، إذا سبح، وقيل: هو تفعيل من الإِياب وهو الرجوع أي: رجَّعي معه وقال القتيبي: أصله من التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلاً كأنه قال أوبي النهار كله بالتسبيح معه. وقال وهب: نوحي معه.

{ وَٱلطَّيْرَ }، عطف على موضع الجبال، لأن كلَّ منادَى في موضع النصبِ. وقيل: معناه: وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه، وقرأ يعقوب: «والطيرُ» بالرفع ردّاً على الجبال، أي أوّبي أنت والطيرُ. وكان داود إذا نادى بالناحية أجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك.

وقيل: كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح. وقيل: كان داود عليه السلام إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطاً له.

{ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ }، حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل فيه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة.

وكان سبب ذلك على ما روي في الإِخبار: أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكراً، فإذا رأى رجلاً لا يعرفه تقدم إليه ويسأله عن داود فيقول له: ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو؟ فيثنون عليه، ويقولون خيراً، فقيض الله له مَلَكاً في صورة آدمي، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله، فقال المَلَك: نعم الرجل هو لولا خصلة فيه، فراع داود ذلك وقال: ما هي يا عبد الله؟ قال: إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال، قال فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له سبباً يستغني به عن بيت المال، فيتقوت منه ويطعم عياله، فألاَن الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدرع، وإنه أول من اتخذها.

ويقال: إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم، فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين.

ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان داود عليه السلام لا يأكل إلاّ من عمل يده" .