{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }, يعني: أهل الجنة في الجنة يسأل بعضُهم بعضاً عن حاله في الدنيا.
{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ }، يعني من أهل الجنة: { إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ }، في الدنيا ينكر البعث.
قال مجاهد: كان شيطاناً. وقال الآخرون: كان من الإنس. وقال مقاتل: كانا أخوين. وقال الباقون: كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا، وهما اللذان قصّ الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى:
{ { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [الكهف: 32]. { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ }، بالبعث.
{ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ }، مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار.
{ قَالَ }، الله تعالى لأهل الجنة: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ }، إلى النار. وقيل: يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة: هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف منزلة أخي، فيقول أهل الجنة: أنت أعرف به منا.
{ فَٱطَّلَعَ }، قال ابن عباس: إن في الجنة كُوىً ينظر أهلها منها إلى النار، فاطلعَ هذا المؤمن، { فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ }، فرأى قرينه في وسط النار، وإنما سُمّي وسط الشيء سواءً لاستواء الجوانب منه.
{ قَالَ }، له: { تَٱللهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } والله لقد كدت أن تهلكني، قال مقاتل: والله لقد كدت أن تغويني، ومن أغوى إنساناً فقد أهلكه.
{ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى }، رحمته وإنعامه عليَّ بالإسلام، { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ }، معك في النار.
{ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلاُْولَىٰ }، في الدنيا، { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } قال بعضهم: يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت: أفما نحن بميتين؟ فتقول لهم الملائكة: لا.
فيقولون: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }، وقيل: إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون. وقيل: يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.
قال الله تعالى: { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ }، أي: لمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ }، إلى { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ }.
{ أَذَٰلِكَ } أي: ذلك الذي ذكر لأهل الجنة، { خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ }، التي هي نزل أهل النار، والزقوم: ثمرة شجرة خبيثة مُرّة كريهة الطعم، يُكره أهلُ النار على تناولها، فهم يتزقمونه على أشد كراهية، ومنه قولهم: تزقّم الطعامَ إذا تناوله على كره ومشقة.
{ إِنَّا جَعَلْنَـٰهَا فِتْنَةً لِّلظَّـٰلِمِينَ }، الكافرين وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعري لصناديد قريش: إن محمداً يخوّفنا بالزقوم، والزقوم بلسان بربر: الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته، وقال: ياجارية زقمينا، فأتتهم بالزبد والتمر، فقال: تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد.
فقال الله تعالى: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِىۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ }، قعر النار، قال الحسن: أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
{ طَلْعُهَا }، ثمرها سمي طلعاً لطلوعه، { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَـٰطِينِ }، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا: كأنه شيطان، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي، وقال بعضهم: أراد بالشياطين الحيَّات، والعرب تُسمى الحية القبيحة المنظر شيطاناً. وقيل: هي شجرة قبيحة مرّة منتنة تكون في البادية، تسميها العرب رؤوس الشياطين.
{ فَإِنَّهُمْ لأَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ }، والملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.