خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١٢٨
-النساء

معالم التنزيل

قوله تعالى: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } الآية، نزلت في عمرة ويُقال خولة بنت محمد بن مسلمة، وفي زوجها سعد بن الربيع - ويقال رافع بن خديج - تزوجها وهي شابة فلما علاها الكِبَر تزوّج عليها امرأة شابة، وآثرها عليها وجفا ابنة محمد بن مسلمة، فأتتْ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم فشكت إليه فنزلت فيها هذه الآية.

وقال سعيد بن جبير: كان رجل له امرأة قد كبرت وله منها أولاد فأراد أن يطلقها ويتزوج عليها غيرها، فقالت: لا تطلقني ودعني أقوم على أولادي واقْسِمْ لي من كل شهرين إن شئت، وإن شئت فلا تَقْسِم لي. فقال: إن كان يصلح ذلك فهو أحب إليّ، فأتى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأنزل الله تعالى: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ } أي علمتْ { مِن بَعْلِهَا }، أي: من زوجها { نُشُوزاً } أي: بُغضاً، قال الكلبي: يعني تركَ مضاجعتها، { أَوْ إِعْرَاضاً } بوجهه عنها وقلة مجالستها، { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ }، أي: على الزوج والمرأة، أنْ يصالحا أي: يتصالحا، وقرأ أهل الكوفة { أنْ يُصْلِحَا } من أصلح، { بَيْنَهُمَا صُلْحاً } يعني: في القِسْمة والنفقة، وهو أن يقول الزوج لها: إنّك قد دخلت في السن وإني أريد أن أتزوج امرأة شابة جميلة أوْثرها عليك في القسمة ليلاً ونهاراً فإن رضيتِ بهذا فأقيمي وإن كرهتِ خَلّيتُ سبيلك، فإن رضيتْ كانتْ هي المحسنة ولا تُجبر على ذلك، وإن لم ترض بدون حقها من القسم كان على الزوج أن يوفّيها حقّها من القِسْم والنفقة أو يسرحها بإحسان، فإن أمسكها ووفّاها حقّها مع كراهيته فهو مُحسن.

وقال سليمان بن يسار في هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما: فإن صالحته عن بعض حقّها من القِسْم والنفقة فذلك جائز ما رضيت، فإن أنكرت بعد الصلح فذلك لها ولها حقها.

وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية: هو أن الرجل يكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة، فيقول للكبيرة: [اعطيتُكِ من] مالي نصيباً على أن أقسم لهذه الشابة أكثر مما أقْسِمُ لك فترضَى بما اصطلحا عليه، فإن أبتْ أن ترضَى فعليه أن يَعْدِلَ بينهما في القِسْم.

وعن عليّ رضي الله عنه في هذه الآية قال: تكون المرأة عند الرجل فتنُبو عينُه عنها من دمامة أو كبر فتكره فرقته، فإن أعطته من مالها فهو له حل، وإِن أعطته من أيامها فهو له حلٌّ { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } يعني: إقامتها بعد تخييره إياها، والمصالحة على ترك بعض حقّها من القسم والنفقة خيرٌ من الفرقة.

كما يُروَى أنّ سودة رضي الله عنها كانت امرأة كبيرة وأراد النبي صلّى الله عليه وسلم أنْ يُفارقها، فقالتْ: لا تطلقني وإنما بي أنْ أبعث في نسائك وقد جعلتُ نوبتي لعائشة رضي الله عنها فأمسكها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة رضي الله عنها.

قوله تبارك وتعالى: { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنفُسُ ٱلشُّحَّ }، يريد: شُحَّ كلِّ واحد من الزوجين بنصيبه من الآخر، والشُّح: أقبح البخل، وحقيقتُه. الحرص على منع الخير، { وَإِن تُحْسِنُواْ }، أي: تصلحوا { وَتَتَّقُواْ }، الجورَ، وقيل: هذا خطاب مع الأزواج، أي: وإنْ تُحسنوا بالإِقامة معها على الكراهة وتتّقوا ظُلمَها { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }، فيجزيكم بأعمالكم.