قوله عز وجل { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، يعني: يهود المدينة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم، كان إذا تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم لَوَّيَا بألسنتهما وعابَاهُ، فأنزل الله تعالى هذه الآية { يَشْتَرُونَ } يستبدلون، { ٱلضَّلـٰلَةَ }، يعني: بالهدى، { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي: عن السبيل يا معشر المؤمنين. { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ }، منكم، فلا تستنصِحُوهم فإنهم أعداؤكم، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً }، قال الزجاج: معناه اكتفُوا بالله ولياً واكتفُوا بالله نصيراً.
{ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ }، قيل: هي متصلة بقوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } وقيل: هي مستأنفة، معناه: من الذين هادُوا مَنْ يُحرّفون، كقوله تعالى:
{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164] أي: مَنْ له مقام معلوم، يُريدُ: فريقٌ، { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ }، يُغيّرونَ الكَلِمَ { عَن مَّوَاضِعِهِ }، يعني: صفة محمد صلّى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت اليهود يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر، فيُخبرهم، فيرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفُوا من عنده حرَّفُوا كلامه.{ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا }، قولك، { وَعَصَيْنَا }، أمركَ، { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ }، أي: اسمعْ منّا ولا نسمع منك، { غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: غير مقبول منك.
وقيل: كانوا يقولون للنبي صلّى الله عليه وسلم: اسمعْ، ثم يقولونَ في أنفسهم: لا سمعت، { وَرَٰعِنَا } أي: ويقولون راعِنَا يُريدُونَ به النسبة إلى الرُّعونة، { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ }، تحريفاً، { وَطَعْناً }، قدحاً { فِى ٱلدِّينِ }، أن قوله: «ورَاعِنَا» منَ المُراعاة، وهم يُحرّفونه، يُريدون به الرُّعونة، { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا }، أي: انظر إلينا مكان قولهم رَاعِنا، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ }، أي أعدل وأصوب، { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } إلا نفراً قليلاً منهم، وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم.