خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ
٤٧
قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ
٤٨
وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ
٤٩
قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَىٰ قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
٥٠
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ
٥١
يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ
٥٢
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ
٥٣
هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
٥٤
فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٥٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
٥٦
لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
-غافر

معالم التنزيل

{ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى ٱلنَّـارِ }، أي: اذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون، يعني أهل النار في النار، { فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً }، في الدنيا، { فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ }، والتبع يكون واحداً وجمعاً في قول أهل البصرة، وواحدة تابع، وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له وجمعه أتباع.

{ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ }، حين اشتد عليهم العذاب، { لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ }.

{ قَالُوۤاْ }، يعني خزنة جهنم لهم، { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ قَالُواْ بَلَىٰ قَالُواْ فَٱدْعُواْ }، أنتم إذاً ربكم، إنا لا ندعو لكم، لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب. قال الله تعالى: { وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ }، أي: يبطل ويضل ولا ينفعهم.

قوله عزّ وجلّ: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا }، قال ابن عباس: بالغلبة والقهر. وقال الضحاك: بالحجة، وفي الآخرة بالعذر. وقيل: بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة، وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم، وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم، ونصرهم بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم، كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل، قتل به سبعون ألفاً، فهم منصورون بأحد هذه الوجوه، { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ }، يعني: يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب.

{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ }، إن اعتذروا عن كفرهم لم يقبل منهم، وإن تابوا لم ينفعهم، { وَلَهُمُ ٱللَّعْنَةُ }، البعد من الرحمة، { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ }، يعني جهنم.

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ }، قال مقاتل: الهدى من الضلالة، يعني التوراة، { وَأَوْرَثْنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱلْكِتَـٰبَ }، [التوراة].

{ هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ }.

{ فَٱصْبِرْ }، يا محمد على أذاهم، { إِنَّ وَعْدَ ٱللهِ }، في إظهار دينك وإهلاك أعدائك، { حَقٌّ }، قال الكلبي: نسخت آية القتال آية الصبر، { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ }، هذا تعبد من الله ليزيده به درجة وليصير سنة لمن بعده، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ }، صلِّ شاكراً لربك، { بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِبْكَارِ }، قال الحسن: يعني صلاة العصر وصلاة الفجر. وقال ابن عباس: الصلوات الخمس.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ }، ما في قلوبهم، والصدر موضع القلب، فكنى به عن القلب لقرب الجوار، { إِلاَّ كِبْرٌ }، قال ابن عباس: ما يحملهم على تكذيبك إلاَّ ما في صدورهم من الكبر والعظمة، { مَّـاهُم بِبَـٰلِغِيهِ }، قال مجاهد: ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر، لأن الله عزّ وجلّ مذلهم.

قال ابن قتيبة: إنْ في صدورهم إلا تكبر على محمد صلى الله عليه وسلم، وطمع في أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك. قال أهل التفسير: نزلت في اليهود، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود - يعنون الدجال - يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، ويرد الملك إلينا، قال الله تعالى: { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ }، من فتنة الدجال، { إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }.

{ لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }، مع عظمهما، { أَكْـبَرُ }، أعظم في الصدور، { مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ }، أي: من إعادتهم بعد الموت، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ }، يعني الكفار، { لاَ يَعْلَمُونَ }، حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها. وقال قوم: "أكبر" أي: أعظم من خلق الدجال، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }، يعني اليهود الذي يخاصمون في أمر الدجال.

وروي عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبرُ من خلق الدجال" .

أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أخبرنا جدي عبدالرحمن البزار، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذُكر الدجال. فقال: "إنَّ بين يديه ثلاثَ سنين: سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك، وإنّ من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيتَ إن أحييتُ لك إبلك ألستَ تعلم أني ربُّك؟ قال: فيقول: بلى، فيتمثل له نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعاً وأعظمه أسنمة، قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيتَ إن أحييت لك أباك وأخاك ألستَ تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه" . قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم رجع والقوم في اهتمام وغمٍّ مما حدثهم، قالت: فأخذ بلحمتي الباب فقال: مهيم أسماء؟ فقلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال: "إن يخرج وأنا حيٌّ فأنا حجيجه، وإلاّ فإن ربي خليفتي على كل مؤمن، قالت أسماء فقلت: يا رسول الله والله إنا لنعجن عجيناً فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس" .

وبهذا الإسناد قال: أخبرنا معمر، عن ابن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة، السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطرام السعفة في النار" .

أخبرنا أبو سعيد الطاهري، أخبرنا جدي عبدالصمد بن عبدالرحمن البزار، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق الدبري، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور" .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية عن نافع عن عبدالله قال: ذُكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينيه، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية" .

أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر الجرجاني، أخبرنا عبدالغافر بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا علي بن حجر، حدثنا شعيب ابن صفوان عن عبدالملك بن عُمير عن ربعي بن حراش عن عقبة بن عمرو بن مسعود الأنصاري قال: انطلقت معه إلى حذيفة بن اليمان فقال له عقبة: حدثني ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال؟ قال: "إن الدجال يخرج وإنَّ معه ماءً وناراً، فأما الذي يراه الناس ماءً فنارٌ تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماءٌ بارد عَذْبٌ، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً فإنه ماء عذب طيب" فقال عقبة: وأنا قد سمعته تصديقاً لحذيفة.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا ابن الوليد، حدثنا ابن عمرو وهو الأوزاعي، حدثنا إسحاق، حدثني أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس من نِقَابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق" .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبدالله الطيسفوني، أخبرنا عبدالله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة، حتى ينزل دُبُرَ أُحد، ثم تَصرِفُ الملائكة وجهه قَِبَلَ الشام، وهناك يهلك" .

أخبرنا أبو سعيد الطاهري، أخبرنا جدي عبد الصمد البزار، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق الدبري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم التِّيجان" . ويرويه أبو أُمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو تاج وسيف محلى" .