خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
١٢
فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
١٣
إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
١٤
-فصلت

معالم التنزيل

{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍ فِى يَوْمَيْنِ }، أي: أتمهن وفرغ من خلقهن، { وَأَوْحَىٰ فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا }، قال عطاء عن ابن عباس: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البَردَ وما لا يعلمه إلا الله.

وقال قتادة والسدي: يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها.

وقال مقاتل: وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي، وذلك يوم الخميس والجمعة. { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ }، كواكب، { وَحِفْظاً }، لها ونصب "حفظاً" على المصدر، أي: حفظناها بالكواكب حفظاً من الشياطين الذين يسترقون السمع، { ذَلِكَ }، الذي ذكر من صنعه، { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ }، في ملكه، { ٱلْعَلِيمِ }، بحفظه.

قوله عزّ وجلّ: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ }، يعني: هؤلاء المشركين عن الإِيمان بعد هذا البيان، { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ }، خوّفتكم، { صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }، أي: هلاكاً مثل هلاكهم، والصاعقة المهلكة من كل شيء.

{ إِذْ جَآءَتْهُمُ }, يعني: عاداً وثموداً، { ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خلفِهمْ }، أراد بقوله: { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم من قبلهم، { وَمِنْ خلفِهم } يعني: من بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم الذين أرسلوا إليهم، هودٌ وصالح، فالكناية في قوله من بين أيديهم راجعة إلى عاد وثمود وفي قوله: { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } راجعة إلى الرسل، { أنْ لا } بأن لا، { تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا }، بدل هؤلاء الرسل، { مَلَـٰئِكَةً }، أي: لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة،{ فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ }.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، حدثنا عبدالله بن حامد الأصفهاني، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي، أخبرنا أحمد بن مجدة بن العريان، حدثنا الحماني، حدثنا ابن فضيل، عن الأجلح، عن الذيال بن حرملة، عن جابر بن عبدالله قال: قال الملأ من قريش وأبو جهل: قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر، فأتاه فكلّمه، ثم أتانا ببيانٍ من أمره، فقال عتبة ابن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر، وعلمت من ذلك علماً، وما يخفى عليَّ إن كان كذلك أو لا، فأتاه فلما خرج إليه قال: يا محمد أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبدالمطلب؟ أنت خير أم عبدالله؟ فبم تشتم آلهتنا؟ وتُضلل آباءنا؟ فإن كنتَ تريد الرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأساً ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوّجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش؟ وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغي أنت وعقبك من بعدك؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، فلما فرغ، قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } { حۤـمۤ (*) تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (*) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ }، إلى قوله { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }، الآية. فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم فقال أبو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلاّ قد صبأ إلى دين محمد، وقد أعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فانطلقوا إليه، فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حبسك عنّا إلاّ أنك صبوت إلى دين محمد وأعجبك طعامه،قال: فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً، وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } الآية فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.

وقال محمد بن كعب القرظي: حُدّثتُ أن عتبة بن ربيعة كان سيداً حليماً، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أموراً لعلّه يقبل منا بعضها، فنعطيه ويكف عنا، وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي إنك منّا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم، وكفّرت من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد، فقال: يابن أخي إن كنت إنما يريد بما جئت به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سوّدناك علينا، وإن كان هذا الذي بك رئياً تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب، ولعل هذا شعر جاش به صدرك، فإنكم لعمري بني عبدالمطلب يقدرون على ذلك ما لا يقدر عليه غيركم، حتى إذا فرغ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ قد فرغتَ يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: أفعلُ، فقال صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم { حۤمۤ تنزيل من الرحمن الرحيم كتابٌ فصلت آياتهُ قرآناً عربياً }، ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد، ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: وما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: ورائي أني قد سمعتُ قولاً والله ما سمعت بمثله قط، ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني خلُّوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تُصِبْه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزكم، فأنتم أسعد الناس به، فقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم.