{فَإِنْ أَعْرَضُواْ}، عن الإجابة، {فَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ}، ما عليك، {إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً}، قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة. {فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}، قحط، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ كَفُورٌ}، أي: لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم.
{للهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ}، له التصرف فيهما بما يريد، {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً}، فلا يكون له ولد ذكر، قيل: من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ بالإناث، {وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ}، فلا يكون له أنثى.
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً}، يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث، {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً}، فلا يلد ولا يولد له. قيل: هذا في الأنبياء عليهم السلام {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً} يعني: لوطاً لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان، {وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ}، يعني: إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى، {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات، {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما، وهذا على وجه التمثيل، والآية عامة في حق كافة الناس. {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
قوله عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللهُ إِلاَّ وَحْياً}، وذلك أن اليهود قالُوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تُكلم الله وتنظر إليه، إن كنتَ نبيّاً، كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال: لم ينظر موسى إلى الله عزّ وجلّ، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللهُ إِلاَّ وَحْياً} يوحي إليه في المنام أو بالإلهام، {أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ}، يسمعه كلامه ولا يراه، كما كلمه موسى عليه الصلاة والسلام، {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً}، إما جبريل أو غيره من الملائكة، {فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ}، أي: يوحي ذلك الرسول إلى المرسَل إليه بإذن الله ما يشاء.
قرأ نافع: "أو يرسلُ" برفع اللام على الابتداء، "فيوحي" ساكنة الياء، وقرأ الآخرون بنصب اللام والياء عطفاً على محل الوحي لأن معناه: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل رسولاً. {إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ}.
{وَكَذَلِكَ}، أي: كما أوحينا إلى سائر رسلنا، {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}، قال ابن عباس: نبوة. وقال الحسن: رحمة. وقال السدي ومقاتل: وحياً. وقال الكلبي: كتاباً، وقال الربيع: جبريل. وقال مالك بن دينار: يعني القرآن. {مَا كُنتَ تَدْرِى}، قبل الوحي، {مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ}، يعني شرائع الإِيمان ومعالمه. قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: "الإيمان" في هذا الموضع: الصلاة، ودليله: قوله عزّ وجلّ:
{ وَمَا كَانَ ٱللهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [البقرة: 143]. وأهل الأصول على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم، ولم يتبين له شرائع دينه.
{وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً}، قال ابن عباس: يعني الإيمان. وقال السدي: يعني القرآن. {نَّهْدِى بِهِ}، نرشد به، {مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِىۤ}، أي لتدعو، {إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، يعني الإسلام. {صِرَٰطِ ٱللهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ}، أي: أمور الخلائق كلها في الآخرة.