خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
١٠٤
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
١٠٥
-المائدة

معالم التنزيل

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ }، في تحليل الحرث والأنعام وبيان الشرائع والأحكام، { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ }، من الدين، قال الله تعالى: { أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }.

قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }، وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيّروه يُوشك أن يعمّهم الله تعالى بعقابه" .

وفي رواية: "لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليستعملنَّ اللَّهُ سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب، ثم ليدعونَّ اللَّهَ عزّ وجلّ خيارُكم فلا يُستجاب [لكم]" .

قال أبو عبيد: خاف الصديق أن يتأوّل الناس الآية غير متأوّلها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف [والنهي عن المنكر]، فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به، وقد صُولحوا عليه، فأمّا الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير: الآية في اليهود والنصارى، يعني: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم.

وعن ابن مسعود قال في هذه الآية: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قُبِلَ منكم فإن رُدّ عليكم فعليكم أنفسكم، ثم قال: إن القرآن نزل منه آيٌ: قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آيٌ وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آيٌ وقع تأويلهنّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آيٌ يقع تأويلهنّ في آخر الزمان، ومنه آيٌ: يقع تأويلهنّ يوم القيامة ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يُذق بعضكم بأس بعض، فامرؤٌ ونفسُه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية.

أخبرنا عبدالواحد المليحي أنا أحمد بن عبدالله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي أخبرنا أبو عيسى بن نصر أنا عبدالله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم حدثني عمرو بن جارية اللخمي "أنا أبو أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلتُ: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّةُ آية؟ قلت: قول الله عزّ وجلّ: { عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }، فقال: أمَا والله لقد سألت عنها خبيراً، سألتُ عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمرُوا بالمعروف وتناهُوا عن المنكر حتى إذا رأيت شُحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيتَ أمراً لا بدّ لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام، فإنّ من وراءكم أيامَ الصبرِ، فمن صبر فيهنّ قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله, قال ابن المبارك: وزادني غيره قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم" .

وقيل: نزلت في أهل الأهواء، قال أبو جعفر الرازي: دخل على صفوان بن محرز شابٌ من أهل الأهواء فذكر شيئاً من أمره، فقال صفوان: ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }.

قوله عزّ وجلّ: { إِلَىٰ اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً }، الضالّ والمهتدي، { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.