خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
١٢٣
وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ
١٢٤
-الأنعام

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } أي: كما أن فسّاق مكة أكابرها، كذلك جعلنا فسّاق كل [قرية] أكابرها، أي: عظماءها، جمع أكبر، مثل أفضل وأفاضل، وأسود وأساود، وذلك سنّة الله تعالى أنه جعل في كل قرية أتباع الرسل ضعفاءهم، كما قال في قصة نوح عليه السلام: { { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [الشعراء: 111]، وجعل فسّاقهم أكابرهم، { لِيَمْكُرُواْ فِيهَا }، وذلك أنهم أجلسوا على كل طريق من طرق مكة أربعة نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، يقولون لكل من يقدم: إيّاك وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب. { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ }، لأن وبال مكرهم يعود عليه. { وَمَا يَشْعُرُونَ }، أنه كذلك.

قوله تعالى: { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ }، يعني: مثل ما أوتي رسل الله من النبوة، وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: لو كانت النبوّة حقاً لكنتُ أولى بها منك، لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبيّ يُوحَى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتّبعه أبداً إلاّ أن يأتينا وحي كما يأتيه، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ }، حجّة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: يعني أبا جهل، { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ }، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم.

ثم قال الله تعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }، قرأ ابن كثير وحفص رسالته على التوحيد، وقرأ الآخرون رسالاته بالجمع، يعني: الله أعلم بمن هو أحق بالرسالة. { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ }، ذُلٌّ وهَوَان، { عِندَ ٱللَّهِ }، أي: من عند الله، { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }، قيل: صَغَارٌ في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة.