{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } يعني: الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم، وهو جمع حافظ، نظيره:
{ { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ } [الانفطار: 10-11]، { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ }، قرأ حمزة "توفيه" و"استهويه" بالياء وأمالهما، { رسلُنا }، يعني: أعوان ملك الموت يقبضونه فيدفعونه إلى ملك الموت فيقبض روحه؛ كما قال: (قلْ يتوفّاكم مَّلكُ الموت)، وقيل: الأعوان يتوفونه بأمر ملك الموت، فكأن ملك الموت توفاه لأنهم يصدرون عن أمره، وقيل: أراد بالرسل ملك الموت وحده، فذكر الواحد بلفظ الجمع، وجاء في الأخبار: إن الله تعالى جعل الدنيا بين ملك الموت كالمائدة الصغيرة فيقبض من هاهنا ومن هاهنا فإذا كثرت الأرواح يدعو الأرواح فتجيب له، { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }، أيّ لا يقصرون.
{ ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ }، يعني: الملائكة، وقيل: يعني العباد يُردَّون بالموت إلى الله مولاهم الحق، فإن قيل الآية في المؤمنين والكفار جميعاً، وقد قال في آية أخرى:
{ { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 11]، فكيف وجه الجمع؟ قيل: المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار، والمولى هاهنا بمعنى المالك الذي يتولّى أمورهم والله عزّ وجلّ مالك الكل ومتولّي الأمور، وقيل: أراد هنا المؤمنين خاصة يردّون إلى مولاهم، والكفار فيه تبع، { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ }، أي: القضاء دون خلقه، { وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ }، أي: إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد.
قوله عزّ وجلّ: { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ }، قرأ يعقوب بالتخفيف، وقرأ العامّة بالتشديد، { مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ }، أي: من شدائدهما وأهوالهما، كانوا إذا سافروا في البرّ والبحر فضلّوا الطريق وخافوا الهلاك، دَعَوُا اللَّهَ مخلصين له الدين فينجيهم، فذلك قوله تعالى: { تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }، أي: علانية وسراً، قرأ أبو بكر عن عاصم{ وخيفة }، بكسر الخاء هاهنا وفي الأعراف، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان، { لَّئِنْ أَنجَـٰنَا }، أي: يقولون لئن أنجيتنا، وقرأ أهل الكوفة: لئن أنجانا الله، { مِنْ هَـٰذِهِ }، يعني: من هذه الظلمات، { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ }، والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها.