{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي: هداهم الله، { فَبِهُدَاهُمُ }، فبسنتهم وسيرتهم، { ٱقْتَدِهْ }، الهاء فيها هاء الوقف، وحذف حمزة والكسائي ويعقوب الهاء في الوصل، والباقون بإثباتها وصلاً ووقفاً، وقرأ ابن عامر: { اقتدهِ } بإشباع الهاء كسراً، { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ }، ما هو، { إِلاَّ ذِكْرَىٰ }، أي: تذكرة وعِظَة، { لِلْعَـٰلَمِينَ }.
قوله تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }، أي: ما عظّموه حق عظمته، وقيل: ما وصفوه حق وصفه، { إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَىْءٍ }، قال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصَّيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين" ، وكان حبراً سميناً فغضب، فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء.
وقال السدي: نزلت في فنحاص بن عازوراء، وهو قائل هذه المقالة.
وفي القصة: أنّ مالك بن الصيف لما سمعت اليهود منه تلك المقالة عتبوا عليه، وقالوا: أليس أن الله أنزل التوراة على موسى؟ فلِمَ قلتَ ما أنزل الله على بشر من شيء؟ فقال مالك بن الصيف: أغضبني محمد فقلتُ ذلك، فقالوا له: وأنت إذاً غضبت تقول [على الله] غير الحق فنزعوه من الحبرية، وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
"قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: نعم، قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً، فأنزل الله: { وما قدّرُوا اللَّهَ حقَّ قدره إذْ قالوا ما أنزلَ اللّهُ على بشرٍ من شيء }" ، فقال اللَّهُ تعالى: { قُلْ }، لهم، { مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ }، يعني: التوراة، { تَجْعَلُونَهُ قَرَٰطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً }، أي: تكتبون عنه دفاتر وكتباً مقطعة تبدونها، أي: تُبدون ما تُحبون وتُخفون كثيراً من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { يجعلونه } { ويبدونها } { ويخفونها } بالياء جميعاً؛ لقوله تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حقَّ قَدْرِهِ }، وقرأ الآخرون بالتاء؛ لقوله تعالى: { مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ }.
وقوله: { وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ }، [الأكثرون على أنها خطاب لليهود، يقول: عُلِّمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تعلموا]، { أَنتُمْ وَلآ ءَابَآؤُكُمْ }، قال الحسن: جعل لهم علم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فضيّعوه ولم ينتفعوا به.
وقال مجاهد: هذا خطاب للمسلمين يذكّرهم النعمة فيما علّمهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
{ قُلِ ٱللَّهِ }، هذا راجع إلى قوله: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ }، فإن أجابوك وإلاّ فقل أنت: الله، أي: قل أنزله الله، { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }.