خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
٢٩
-التوبة

معالم التنزيل

وذلك قوله تعالى: { قَـَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ }، قال مجاهد: نزلت هذه الآية حين أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الروم، فغزا بعد نزولها غزوة تبوك.

وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود، فصالحهم وكانت أول جزية أصابها أهل الإِسلام، وأول ذُلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين.

قال الله تعالى: { قَـَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ }، فإنْ قيل: أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قيل: لا يؤمنون كإيمان المؤمنين، فإنهم إذا قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، لا يكون ذلك إيماناً بالله. { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ }، أي: لا يدينون الدين الحق، أضاف الاسم إلى الصفة. وقال قتادة: الحق هو الله، أي: لا يدينون دينَ الله، ودينه الإِسلام. وقال أبو عبيدة: معناه لا يطيعون الله تعالى طاعة أهل الحقّ. { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ }، يعني: اليهود والنصارى. { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ }، وهي: الخراج المضروب على رقابهم، { عَن يَدٍ }، عن قهر وذلّ. قال أبو عبيدة: يقال لكل من أعطى شيئاً كرهاً من غير طيب نفس: أعطاه عن يدٍ. وقال ابن عباس: يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم. وقيل: عن يدٍ أي: عن نقد لا نسيئة. وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم، { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ }، أذلاّء مقهورون. قال عكرمة: يعطون الجزية عن قيام، والقابض جالس. وعن ابن عباس قال: تُؤخذ منه ويُوطأ عنقه.

وقال الكلبي: إذا أعطى صفع في قفاه.

وقيل: يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه.

وقيل: يُلبّب ويُجر إلى موضع الإِعطاء بعنف.

وقيل: إعطاؤه إيّاها هو الصغار.

وقال الشافعيرحمه الله : الصغار هو جريان أحكام الإِسلام عليهم.

واتفقت الأمة على جواز أخذ الجزية من أهل الكتابين، وهم اليهود والنصارى إذا لم يكونوا عرباً.

واختلفوا في الكتابي العربي وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم، فذهب الشافعي: إلى أنّ الجزية على الأديان لا على الأنساب، فتؤخذ من أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً، ولا تؤخذ من أهل الأوثان بحال، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من أكيدر دومة، وهو رجل من العرب يقال: إنه من غسان، وأخذ من أهل ذمة اليمن، وعامّتهُم عرب.

وذهب مالك والأوزاعي: إلى أنها تؤخذ من جميع الكفار إلا المرتد.

وقال أبو حنيفة تُؤخذ من أهل الكتاب على العموم، وتؤخذ من مشركي العجم، ولا تؤخذ من مشركي العرب. وقال أبو يوسف: لا تؤخذ من العربي، كتابياً كان أو مشركاً وتُؤخذ من العجمي كتابياً كان أو مشركاً.

وأما المجوس فاتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أخذ الجزية منهم.

أخبرنا عبد الوهّاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع بَجَالة يقول: لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبدالرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هَجَر.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: "ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبدالرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سُنُّوا بهم سُنّة أهل الكتاب" .

وفي امتناع عمر رضي الله عنه عن أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن [بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر، دليلٌ على أن رأي الصحابة كان على أنها لا تُؤخذ] من كل مشرك، وإنما تُؤخذ من أهل الكتاب.

واختلفوا في أن المجوس: هل هم من أهل الكتاب أم لا؟ فرُوي عن علي رضي الله عنه قال: كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا، وقد أسري على كتابهم، فرُفعَ من بين أظهرهم.

واتفقوا على تحريم ذبائح المجوس ومناكحتهم بخلاف أهل الكتابين.

أما من دخل في دين اليهود والنصارى من غيرهم من المشركين نُظِرَ: إن دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل يُقرّون بالجزية، وتحلّ مناكحتهم وذبائحهم، وإن دخلوا في دينهم بعد النسخ بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم لا يُقَرُّون بالجزية، ولا تحلّ مناكحتهم وذبائحهم، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو قبله: يقرون بالجزية تغليباً لحقن الدم، ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم تغليباً للتحريم، فمنهم نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب، أقرَّهم عمر رضي الله عنه على الجزية، وقال: لا تحل لنا ذبائحهم.

وأما قدر الجزية فأقله دينار، لا يجوز أن ينقص منه، ويقبل الدينار من الفقير والغني والوسط لما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أخبرنا أبو محمد عبدالجبار بن محمد الجراحي، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عبدالرزاق أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل حالم ديناراً أو عَدْلَه مَعَافِرَ. فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ من كل حَالِم، أي بالغ ديناراً ولم يفصل بين الغني والفقير والوسط، وفيه دليل على أنها لا تجب على الصبيان وكذلك لا تجب على النسوان، إنما تُؤخذ من الأحرار العاقلين البالغين من الرجال.

وذهب قوم إلى أنه على كل موسر أربعة دنانير، وعلى كل متوسط ديناران، وعلى كل فقير دينار، وهو قول أصحاب الرأي.