المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
قالت فرقة: المراد آدم كان أمة واحدة ثم اختلف الناس بعد في أمر ابنيه وقالت فرقة: المراد نسم بنيه إذ
استخرجهم الله من ظهره وأشهدهم على أنفسهم، وقالت فرقة: المراد آدم وبنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد
ابنيه الآخر، وقالت فرقة: المراد { وما كان الناس إلا أمة واحدة } في الضلالة والجهل بالله فاختلفوا فرقاً في ذلك بحسب الجهالة، ويحتمل أن يكون المعنى كان الناس صنفاً واحداً معداً للاهتداء، واستيفاء
القول في هذا متقدم في سورة البقرة في قوله { { كان الناس أمة واحدة } [ البقرة: 213]. وقرأ الحسن بن
أبي الحسن وأبو جعفر ونافع وشيبة وأبو عمرو "لقُضِي بينهم" بضم القاف وكسر الضاد، وقرأ عيسى بن عمر
" لقَضى " بفتحهما على الفعل الماضي، وقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك } يريد قضاءه وتقديره لبني آدم
بالآجال الموقتة، ويحتمل أن يريد "الكلمة"، في أمر القيامة وأن العقاب والثواب إنما كان حينئذ، وقوله
تعالى { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه } الآية، يريدون بقولهم { آية من ربه } آية، تضطر الناس
إلى الإيمان وهذا النوع من الآيات لم يأت بها نبي قط ولا هي المعجزات اضطرارية وإنما هي معرضة للنظر
ليهتدي قوم ويضل آخرون، وقوله { فقل إنما الغيب لله } إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل لا يطلع على غيبه
أحد، وقوله { فانتظروا } وعيد ما قد صدقه الله تعالى بنصرته محمداً صلى الله عليه وسلم، قال الطبري: في
بدر وغيره، وقوله { وإذا أذقنا الناس } الآية، المراد بـ { الناس } في هذه الآية الكفار وهي بعد تتناول من
العاصين من لا يؤدي شكر الله تعالى عند زوال المكروه عنه ولا يرتدع بذلك عن معاصيه، وذلك في
الناس كثير، و" الرحمة " هنا بعد الضراء، كالمطر بعد القحط والأمن بعد الخوف والصحة بعد المرض ونحو
هذا مما لا ينحصر، و" المكر " الاستهزاء والطعن عليها من الكفار، واطراح الشكر والخوف من العصاة، ووصف مكر الله بالسرعة وإن كان الاستدراج بمهلهم لأنه متيقن به واقع لا محالة، وكل آت قريب، قال أبو
حاتم: قرأ الناس "أن رسُلنا" بضم السين، وخفف السين الحسن وابن أبي إسحاق وأبو عمرو، وقال أبو علي
{ أسرع } من سرع ولا يكون من أسرع يسرع، قال ولو كان من أسرع لكان شاذاً.
قال القاضي أبو محمد: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نار جهنم " لهي أسود من القار"
وما حفظ للنبي صلى الله عليه وسلم فليس بشاذ. وقرأ الحسن والأعرج ونافع وقتادة ومجاهد " تمكرون " بتاء
على المخاطبة وهي قراءة أهل مكة وشبل وأبي عمرو وعيسى وطلحة وعاصم والأعمش والجحدري
وأيوب بن المتوكل، ورويت أيضر عن نافع والأعرج، قال أبو حاتم: قال أيوب بن المتوكل: في مصحف
أبيّ " يا أيها الناس إن الله أسرع مكراً وإن رسله لديكم يكتبون ما تمكرون ".