خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٥
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٦
وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧
-يونس

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

نصت هذه الآية أن الدعاء إلى الشرع عام في كل بشر، والهداية التي هي الإرشاد مختصة بمن قدر إيمانه، و{ السلام } قيل: هو اسم الله عز وجل، فالمعنى يدعو إلى داره التي هي الجنة، وإضافتها إليه إضافة ملك الى مالك، وقيل: { السلام } بمعنى السلامة، أي من دخلها ظفر بالسلامة وأمن الفناء والآفات، وهذه الآية رادة على المعتزلة، وقد وردت في دعوة الله تعالى عباده أحاديث منها رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم إذ رأى في نومه جبريل وميكائيل ومثلا دعوة الله ومحمداً الداعي والملة المدعو إليها والجنة التي هي ثمرة الغفران بالمادية يدعو إليها ملك إلى منزله. وقال قتادة في كلامه على هذه الآية ذكر لنا أن في التوراة مكتوباً " يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر انته ". وقوله تعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } الآية، قالت فرقة وهي الجمهور: { الحسنى } الجنة و" الزيادة " النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: " الزيادة " غرفة من لؤلؤة واحدة، وقالت فرقة { الحسنى } هي الحسنة، و" الزيادة " هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى: { { والله يضاعف لمن يشاء } } [البقرة: 261]، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقتراناً بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان، وعبر عن الحسنات بـ { الحسنى } مبالغة، إذ هي عشرة، وقال الطبري: { الحسنى } عام في كل حسنى فهي تعم جميع ما قيل، ووعد الله تعالى على جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك ذلك أيضاً قوله: { أولئك أصحاب الجنة }، ولو كان معنى { الحسنى } الجنة لكان في القول تكرير بالمعنى، على أن هذا ينفصل عنه بأنه وصف المحسنين بأن لهم الجنة وأنهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، ثم قال { أولئك أصحاب الجنة } على جهة المدح لهم، أي أولئك مستحقوها وأصحابها حقاً وباستيجاب، و { يرهق } معناه يغشى مع ذلة وتضييق، والقتر الغبار المسود، ومنه قول الشاعر [الفرزدق]: [البسيط ]

متوج برداء الملك يتبعه موج ترى وسطه الرايات والقترا

وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش وأبو رجاء " قتْر " بسكون التاء، وقوله: { والذين كسبوا السيئات } الآية، اختلف النحويون في رفع " الجزاء " بم هو؟ فقالت فرقة: التقدير لهم جزاء سيئة بمثلها، وقالت فرقة: التقدير جزاء سيئة مثلها والباء زائدة.
قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يكون رفع " الجزاء" على المبتدأ وخبره في { الذين } لأن { الذين } معطوف على قوله { للذين أحسنوا } فكأنه قال والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وعلى الوجه الآخر فقوله { والذين كسبوا السيئات } رفع بالابتداء، وتعم { السيئات } ها هنا الكفر والمعاصي، فمثل سيئة الكفر التخليد في النار، ومثل سيئة المعاصي مصروف إلى مشيئة الله تعالى. و" العاصم " المنجي "، ومنه قوله تعالى
{ { إلى جبل يعصمني من الماء } [هود: 43]. و { أغشيت } كسيت ومنه الغشاوة، و" القطع " جمع قطعة، وقرأ ابن كثير والكسائي " قطْعاً " من الليل بسكون الطاء، وقرأ الباقون بفتح الطاء، و" القطع " الجزء من الليل ومنه قوله تعالى: { { فاسر بأهلك بقطع من الليل } [هود:81] وهذا يراد به الجزء من زمان الليل، وفي هذه الآية الجزء من سواده. و { مظلماً }، نعت لـ" قطع"، ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله { من الليل }، فإذا كان نعتاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة ولكن قد يجيء بعدها، وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل مظلماً على نحو قوله تعالى: { { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } [الأنعام: 155] ومن قرأ "قطعاً" على جمع قطعة فنصب "مظلماً" على الحال { من الليل } والعامل في الحال { من } إذ هي العامل في ذي الحال، وقرأ أبي بن كعب، " كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل وظلم"، وقرأ ابن أبي عبلة "قطَع من الليل مظلم" بتحريك الطاء في قطع.