خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٣
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
-يونس

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا ابتداء دعاء إلى عبادة الله عز وجل وإعلام بصفاته، والخطاب بها لجميع الناس، و { خلق السماوات والأرض } هو على ما تقرر أن الله عز وجل خلق الأرض { ثم استوى } إلى السماء وهي دخان فخلقها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقوله { في ستة أيام } قيل هي من أيام الآخرة، وقال الجمهور، وهو الصواب: بل من أيام الدنيا.
قال القاضي أبو محمد: وذلك في التقدير لأن الشمس وجريها لم يتقدم حينئذ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خلق الله المخلوقات إن الله ابتدأ يوم الأحد كذا ويوم كذا كذا إنما هو على أن نقدر ذلك الزمان ونعكس إليه التجربة من حين ابتدأ ترتيب اليوم والليلة والمشهور أن الله ابتدأ بالخلق يوم الأحد، ووقع في بعض الأحاديث في كتاب مسلم وفي الدلائل أن البداءة وقعت يوم السبت وذكر بعض الناس أن الحكمة في خلق الله تعالى هذه الأشياء في مدة محدودة ممتدة وفي القدرة أن يقول كن فيكون إنما هو ليعلم عباده التؤدة والتماهل في الأمور.
قال القاضي أبو محمد : وهذا مما لا يوصل تعليله وعلى هذا هي الأجنة في البطون وخلق الثمار وغير ذلك والله عز وجل قد جعل لكل شيء قدراً وهو أعلم بوجه الحكمة في ذلك وقوله { ثم استوى على العرش } قد تقدم القول فيه في
{ { المص } [الأعراف:1] وقوله { يدبر الأمر } يصح أن يريد بـ { الأمر } اسم الجنس من الأمور ويحتمل أن يريد { الأمر } الذي هو مصدر أمر يأمر، وتدبيره لا إله إلا هو إنما هو الإنفاذ لأنه قد أحاط بكل شيء علماً. وقال مجاهد: { يدبر الأمر } معناه يقضيه وحده، وقوله { ما من شفيع الا من بعد إذنه } رد على العرب في اعتقادها أن الأصنام تشفع لها، وقوله { ذلكم } إشارة الى الله تعالى أي هذا الذي هذه صفاته فاعبدوه، ثم قررهم على هذه الآيات والعبر فقال { أفلا تذكرون } أي فيكون التذكر سبباً للاهتداء، واختصار القول في قوله { ثم استوى على العرش } [إما] أن يكون { استوى } بقهره وغلبته وإما أن يكون { استوى } بمعنى استولى إن صحت اللفظة في اللسان، فقد قيل في قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

إنه بيت مصنوع. وإما أن يكون فعل فعلاً في العرش سماه { استوى } واستعياب القول قد تقدم، وقوله { إليه مرجعكم جميعاً } الآية، آية إنباء بالبعث من القبور وهي من الأمور التي جوزها العقل وأثبت وقوعها الشرع، وقوله { جميعاً }، حال من الضمير في { مرجعكم } ، { وعد الله } نصب على المصدر، وكذلك قوله { حقاً } وقال أبو الفتح { حقاً } نعت، وقرأ الجمهور " إنه" بكسر الألف على القطع والاستئناف، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب وعبد الله " أنه " بفتح الألف، وموضعها النصب على تقدير أحق أنه، وقال الفراء: موضعها رفع على تقدير يحق أنه.
قال القاضي أبو محمد : يجوز عندي أن يكون { أنه } بدلاً من قوله { وعد الله } ، قال أبو الفتح: إن شئت قدرت لأنه يبدأ الخلق أي فمن في قدرته هذا فهو غني عن إخلاف الوعد. وإن شئت قدرته " وعد الله حقاً أنه" ولا يعمل فيه المصدر الذي هو { وعد الله } لأنه قد وصف فإذن ذلك بتمامه وقطع عمله، وقرأ ابن أبي عبلة "حقٌّ" بالرفع فهو ابتداء وخبره " أنه " وقوله { يبدأ الخلق } يريد النشأة الأولى، والإعادة هي البعث من القبور، وقرأ طلحة " يُبدِىء الخلق " بضم الياء وكسر الدال، وقوله { ليجزي } هي لام كي والمعنى أن الإعادة إنما هي ليقع الجزاء على الأعمال، وقوله { بالقسط } أي بالعدل في رحمتهم وحسن جزائهم، وقوله { والذين كفروا } ابتداء و" الحميم " الحار المسخن وهو فعيل بمعنى مفعول ومنه الحمام والحمة ومنه قول المرقش:

في كل يوم لها مقطرة وكباء معدة وحميم

وحميم النار فيما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه سلم إذا أدناه الكافر من فيه تساقطت فروة رأسه، وهو كما وصفه تعالى { { يشوي الوجوه } [الكهف: 29].