خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
٢٨
وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٩
وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٣٠
-هود

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية كأنه قال: أرأيتم إن هداني الله وأضلكم أأجبركم على الهدى وأنتم كارهون له معرضون عنه، واستفهامه في هذه الآية أولاً وثانياً على جهة التقرير. وعبارة نوح عليه السلام كانت بلغته دالة على المعنى القائم بنفسه، وهذا هو المفهوم من هذه العبارة العربية، فبهذا استقام أن يقال كذا وكذا، إذ القول ما أفاد المعنى القائم بنفسه.
وقوله { على بيّنة } أي على أمر بيّن جلي، والهاء في { بيّنة } للمبالغة كعلامة ونسابة، و "إيتاؤه الرحمة" هو هدايته للبيّنة، والمشار إليه بهذا كله النبوءة والشرع، وقوله { من عنده } تأكيد، كما قال:
{ { يطير بجناحيه } [الأنعام: 38]، وفائدته رفع الاشتراك ولو بالاستعارة.
وقرأ جمهور الناس "فعميت" ولذلك وجهان من المعنى:
أحدهما: خفيت، ولذلك يقال للسحاب العماء لأنه يخفي ما فيه، كما يقال له: الغمام لأنه يغمه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:
"كان الله قبل أن يخلق الأشياء في عماء" .
والمعنى الثاني: أن تكون الإرادة: فعميتم أنتم عنها، لكنه قلب، كما تقول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

ترى النور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع

قال أبو علي: وهذا مما يقلب إذ ليس فيه إشكال وفي القرآن: { { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } } [إبراهيم: 47].
وقرأ حفص وحمزة والكسائي "فعُمّيت" بضم العين وشد الميم على بناء الفعل للمفعول وهذا إنما يكون من الإخفاء؛ ويحتمل القلب المذكور.
وقرأ الأعمش وغيره "فعماها عليهم". قال أبو حاتم: روى الأعمش عن ابن وثاب "وعميت" بالواو خفيفة.
وقوله: { أنلزمكموها } يريد إلزام جبر كالقتال ونحوه، وأما إلزام الإيجاب فهو حاصل، وقال النحاس: معناه أن وجبها عليكم، وقوله في ذلك خطأ.
وفي قراءة أبي بن كعب: "أنلزمكموها من شطر أنفسنا"، ومعناه من تلقاء أنفسنا. وروي عن ابن عباس أنه قرأ ذلك "من شطر قلوبنا".
وقوله { يا قوم لا أسألكم عليه مالاً... } الآية؛ الضمير في { عليه } عائد على التبليغ.
وقوله: { وما أنا بطارد الذين آمنوا } يقتضي أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء الذين بادروا إلى الإيمان به نظير ما اقترحت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرد تباعه بمكة الذين لم يكونوا من قريش.
وقوله: { إنهم ملاقوا ربهم } تنبيه على العودة إلى الله ولقاء جزائه المعنى، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد. ثم وصفهم بالجهل في مثل هذا الاقتراح ونحوه.
وقوله { يا قوم من ينصرني من الله... } الآية؛ هو استفهام بمعنى تقرير وتوقيف، أي لا ناصر يدفع عني عقاب الله إن ظلمتهم بالطرد عن الخير الذي قبلوه، ثم وقفهم بقوله: { أفلا تذكرون } وعرض عليهم النظر المؤدي إلى صحة هذا الاحتجاج.