خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٢
وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
٢٣
-إبراهيم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المراد هنا بـ { الشيطان } إبليس الأفذم نفسه، وروي في حديث عن النبي عليه السلام - من طريق عقبة بن عامر - أنه قال: "يقوم يوم القيامة خطيبان: أحدهما إبليس يقوم في الكفرة بهذه الألفاظ، والآخر عيسى ابن مريم يقوم بقوله: { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به } [المائدة: 117]" ، وقال بعض العلماء: يقوم إِبليس خطيب السوء، الصادق بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذه الرواية يكون معنى قوله: { قضي الأمر } أي حصل أهل النار في النار، وأهل الجنة في الجنة، وهو تأويل الطبري.
قال القاضي أبو محمد: و { قضي } قد يعبر عنها في الأمور عن فعل كقوله تعالى:
{ { وقضي الأمر واستوت على الجودي } [هود: 44] وقد يعبر بها عن عزم على أن يفعل، كقوله: { { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } [يوسف: 41].
و { الوعد } في هذه الآية على بابه في الخير، أي إن الله وعدهم النعيم إن آمنوا، ووعدهم إبليس الظفر والأمل إن كذبوا، ومعلوم اقتران وعد الله بوعيده، واتفق أن لم يتبعوا طلب وعد الله فوقعوا في وعيده، وجاء من ذلك كأن إبليس أخلفهم. والـ { سلطان } الحجة البينة، وقوله: { إلا أن دعوتكم } استثناء منقطع، و { أن } في موضع نصب، ويصح أن تكون في موضع رفع على معنى: إلا أن النائب عن السلطان، إن دعوتكم فيكون هذا في المعنى كقول الشاعر: [الوافر]

تحية بينهم ضرب وجيع

ومعنى قوله: { فاستجبتم لي } أي رأيتم ما دعوتكم إليه ببصيرتكم واعتقدتموه الرأي وأتى نظركم عليه.
قال القاضي أبو محمد: وذكر بعض الناس أن هذا المكان يبطل منه التقليد، وفي هذه المقالة ضعف على احتمالها، والتقليد وإن كان باطلاً ففساده من غير هذا الموضع.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد بـ "السلطان" في هذه الآية الغلبة والقدرة والملك، أي ما اضطررتكم ولا خوفتكم بقوة مني، بل عرضت عليكم شيئاً، فأتى رأيكم عليه.
وقوله: { فلا تلوموني } يريد بزعمه إذ لا ذنب لي { ولوموا أنفسكم } في سوء نظركم وقلة تثبتكم فإنكم إنما أتيتم اتباعي عن بصيرة منكم وتكسب. و"المصرخ" المغيث، والصارخ: المستغيث. ومنه قول الشاعر: [البسيط]

كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قطع الظنابيب

فيقال: صرخ الرجل، وأصرخ غيره، وأما الصريخ فهو مصدر بمنزلة البريح، ويوصف به، كما يقال: رجل عدل ونحوه.
وقرأ حمزة والأعمش وابن وثاب "بمصرخي" بكسر الياء تشبيهاً لياء الإضمار بهاء الإضمار في قوله: مصرخيه، ورد الزجاج هذه القراءة، وقال ردية مرذولة، وقال فيها القاسم بن معن: إنها صواب، ووجهها أبو علي وحكى أبو حاتم: أن أبا عمرو حسنها، وأنكر أبو حاتم على أبي عمرو.
وقوله: { بما أشركتمون } أي مع الله تعالى في الطاعة لي التي ينبغي أن يفرد الله بها، فـ "ما" مصدرية، وكأنه يقول: إني الآن كافر بإشراككم أيأي مع الله قبل هذا الوقت.
قال القاضي أبو محمد: فهذا تبر منه، وقد قال الله تعالى:
{ { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } } [فاطر: 14] ويحتمل أن يكون اللفظ إقراراً على نفسه بكفره الأقدم، فتكون "ما" بمعنى الذي، يريد الله تعالى، أي خطيئتي قبل خطيئتكم، فلا إصراخ عندي، وباقي الآية بين.
وقرأ الجمهور "وأُدخلَ" على بناء الفعل للمفعول، وقرأ الحسن: "وأُدخِلُ" على فعل المتكلم، أي يقولها الله عز وجل، وقوله: { من تحتها } أي من تحت ما علا منها، كالغرف والمباني والأشجار وغيره. و"الخلود" في هذه الآية على بابه في الدوام، و"الإذن" هنا عبارة عن القضاء والإمضاء، وقوله: { تحيتهم } مصدر مضاف إلى الضمير، فجائز أن يكون الضمير للمفعول أي تحييهم الملائكة، وجائز أن يكون الضمير للفاعل، أي يحيي بعضهم بعضاً.
و { تحيتهم } رفع بالابتداء، و { سلام } ابتداء ثان، وخبره محذوف تقديره عليكم، والجملة خبر الأول، والجميع في موضع الحال من المضمرين في { خالدين } أو يكون صفة لـ { جنات }.