خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٢
لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ
١٤
لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ
١٥
-الحجر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

يحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } يعود على الاستهزاء والشرك ونحوه - وهو قول الحسن وقتادة وابن جرير وابن زيد - ويكون الضمير في { به } يعود أيضاً على ذلك بعينه، وتكون باء السبب، أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم، ويكون قوله: { لا يؤمنون به } في موضع الحال.
ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن، أي مكذباً به مردوداً مستهزأ به ندخله في قلوب المجرمين، ويكون الضمير في { به } عائداً عليه أيضاً أي لا يصدقون به.
ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الاستهزاء والشرك، والضمير في { به } يعود على القرآن، فيختلف - على هذا - عود الضميرين.
والمعنى في ذلك كله ينظر بعضه إلى بعض.
و { نسلكه } معناه: ندخله، يقال: سلكت الرجل في الأمر، أي أدخلته فيه، ومن هذا قول الشاعر [عدي بن زيد]: [الوافر]

وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب

ومنه قول الآخر [عبد مناف بن ربع الهذلي]: [البسيط]

حتى إذا سلكوهم في قتايدة شلاكما تطرد الجمالة الشردا

ومنه قول أبي وجزة يصف حمر وحش: [البسيط]

حتى سلكن الشوى منهن في مسك من نسل جوابة الآفاق مهداج

قال الزجاج: ويقرأ: "نُسلِكه" بضم النون وكسر اللام، و { المجرمين } في هذه الآية يراد بهم كفار قريش ومعاصري محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: { لا يؤمنون به } عموم معناه الخصوص فيمن حتم عليه. وقوله: { وقد خلت سنة الأولين } أي على هذه الوتيرة.
وتقول: سلكت الرجل في الأمر، وأسلكته، بمعنى واحد. ويروى: حتى إذا أسلكوهم في قتايدة؛ البيت.
وقوله: { ولو فتحنا عليهم }، الضمير في { عليهم } عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم. والضمير في قوله: { فظلوا } يحتمل أن يعود عليهم - وهو أبلغ في إصرارهم - وهذا تأويل الحسن: و { يعرجون } معناه: يصعدون.
وقرأ الأعمش وأبو حيوة "يعرِجون" بكسر الراء، والمعارج الأدراج، ومنه: المعراج، ومنه قول كثير: [الطويل].

إلى حسب عود بني المر قبله أبوه له فيه معارج سلم

ويحتمل أن يعود على { { الملائكة } [الحجر: 7] لقولهم: { { لو ما تأتينا بالملائكة } } [الحجر: 7]، فقال الله تعالى: "ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء، لما آمنوا": وهذا تأويل ابن عباس.
وقرأ السبعة سوى ابن كثير: "سُكّرت" بضم السين وشد الكاف، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف الكاف، وهي قراءة مجاهد. وقرأ ابن الزهري بفتح السين وتخفيف الكاف، على بناء الفعل لفاعل. وقرأ أبان بن تغلب "سحرت أبصارنا"، ويجيء قوله: { بل نحن قوم مسحورون } انتقالاً إلى درجة عظمى من سحر العقل والجملة. وتقول العرب: سكرت الريح تسكر سكوراً: إذا ركدت ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولاً، وتقول سكر الرجل من الشراب سكراً: إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ فيما للإنسان أن ينفذ فيه، ومن هذا المعنى: سكران لا يبت - أي لا يقطع أمراً، وتقول العرب: سكرت الفتق في مجاري الماء سكراً: إذا طمسته وصرفت الماء عنه، فلم ينفذ لوجهه.
قال القاضي أبو محمد: فهذه اللفظة "سكّرت" - بشد الكاف - إذا كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح فهي فعل عدي بالتضعيف، وإن كانت من سكر مجاري الماء فتضعيفها للمبالغة، لا للتعدية، لأن المخفف من فعله متعد. ورجح أبو حاتم هذه القراءة، لأن "الأبصار" جمع، والتثقيل مع الجمع أمثل، كما قال:
{ { مفتحة لهم الأبواب } [ص: 50] ومن قرأ "سُكرت" - بضم السين وتخفيف الكاف، فإن كانت اللفظة من سكر الماء فهو فعل متعد؛ وإن كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح، فيضمنا أن الفعل بني للمفعول إلى أن ننزله متعدياً، ويكون هذا الفعل من قبيل: رجح زيد ورجحه غيره، وغارت، وغارت العين وغارها الرجل: فتقول - على هذا - سكر الرجل، وسكره غيره، وسكرت الريح، وسكرها شيء غيرها.
ومعنى هذه المقالة منهم: أي غيرت أبصارنا عما كانت عليه، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الأشياء كما كانت تفعل.
قال القاضي أبو محمد: وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله: غشي على أبصارنا وقال بعضهم عميت أبصارنا، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ.
ولقال أيضاً هؤلاء المبصرون عروج الملائكة، أو عروج أنفسهم، بعد قولهم: { سكرت أبصارنا } بل سحرنا حتى ما نعقل الأشياء كما يجب، أي صرف فينا السحر.