خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ
٧٨
فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ
٧٩
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٨٠
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
٨١
وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ
٨٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ
٨٣
فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٤
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ
٨٥
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨٦
-الحجر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ الأيكة } الغيضة والشجر الملتف المخضر يكون السدر وغيره، قال قتادة، وروي أن أيكة هؤلاء كانت من شجر الدوم، وقيل من المقل، وقيل من السدر، وكان هؤلاء قوماً يسكنون غيضة ويرتفقون بها في معايشهم فبعث الله إليهم شعيباً فكفروا فسلط الله عليهم الحر فدام عليهم سبعة أيام ثم رأوا سحابة فخرجوا فاستظلوا تحتها فاضطرمت عليهم ناراً، وحكى الطبري قال: بعث شعيب إلى أمتين كفرتا فعذبتا بعذابين مختلفين: أهل مدين عذبوا بالصيحة، و { أصحاب الأيكة }، ولم يختلف القراء في هذا الموضع في إدخال الألف واللام على "أيكة"، وأكثرهم همز ألف أيكة بعد اللام، وروي عن بعضهم أنه سهلها ونقل حركتها إلى اللام فقرأ "أصحاب الايكة" دون همز، واختلفوا في سورة الشعراء وفي صورة ص، و { إن } هي المخففة من الثقيلة على مذهب البصريين، وقال الفراء { إن } بمعنى ما، واللام في قوله { لظالمين } بمعنى إلا. قال أبو علي: الأيك جمع أيكة كترة وتمر.
قال القاضي أبو محمد: ومن الشاهد على اللفظة قول أمية بن أبي الصلت:

كبكاء الحمام على غصون الأيـ ـك في الطير الجوانح

ومنه قول جرير: [الوافر]

وقفت بها فهاج الشوق مني حمام الأيك يسعدها حمام

ومنه قول الآخر:

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة إذا اخضرَّ منها جانب جف جانب

ومنه قول الهذلي:

موشحة بالطرتين دنا لها جنا أيكةٍ تضفو عليها قصارها

وأنشد الأصمعي: [البسيط]

وما خليج من المروت ذو حدب يرمي الصعيد بخشب الأيك والضال

والضمير في قوله { وإنهما } يحتمل أن يعود على المدينتين اللتين تقدم ذكرهما: مدينة قوم لوط، ومدينة أصحاب الأيكة، ويحتمل أن يعود للنبيين: على لوط وشعيب، أي أنهما على طريق من الله وشرع مبين. و"الإمام" في كلام العرب الشيء الذي يهتدي به ويؤتم، يقولونه لخيط البناء، وقد يكون الطريق، وقد يكون الكتاب المفيد، وقد يكون القياس الذي يعمل عليه الصناع، وقد يكون الرجل المقتدى به، ونحو هذا، ومن رأى عود الضمير في { إنهما } على المدينتين قال "الإمام" الطريق، وقيل على ذلك "الإمام" الكتاب الذي سبق فيه إهلاكهما، و { أصحاب الحجر } هم ثمود، وقد تقدم قصصهم، و { الحجر } مدينتهم، وهي ما بين المدينة وتبوك، وقال { المرسلين } من حيث يجب بتكذيب رسول واحد تكذيب الجميع، إذ القول في المعتقدات واحد للرسل أجمع، فهذه العبارة أشنع على المكذبين، و"الآية" التي آتاهم الله في الناقة وما اشتملت عليه من خرق العادة حسبما تقدم تفسيره وبسطه، وقرأ أبو حيوة "وآتيناهم آيتنا" مفردة، وقوله تعالى: { وكانوا ينحتون } الآية، يصف قوم صالح بشدة النظر للدنيا والتكسب منها فذكر من ذلك مثالاً أن بيوتهم كانوا ينحتونها من حجر الجبال، و"النحت" النقر بالمعاول ونحوها في الحجارة والعود ونحوه، وقرأ جمهور الناس "ينحِتون" بكسر الحاء، وقرأ الحسن "ينحَتون" بفتحها، وذلك لأجل حرف الحلق، وهي قراءة أبي حيوة، وقوله { آمنين } قيل معناه من انهدامها، وقيل من حوادث الدنيا، وقيل من الموت لاغترارهم بطول الأعمال.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة. فكانوا لا يعملون بحسبها، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها، ومعنى { مصبحين } أي عند دخولهم في الصباح، وذكر أن ذلك كان يوم سبت، وقد تقدم قصص عذابهم وميعادهم وتغير ألوانهم،ولم تغن عنهم شدة نظرهم للدنيا وتكسبهم شيئاً، ولا دفع عذاب الله، و { ما } الأولى تحتمل النفي وتحتمل التقرير، والثانية مصدرية، وقوله تعالى: { وما خلقنا السماوات والأرض } الآية، المراد أن هؤلاء المكتسبين للدنيا الذين لم يغن عنهم اكتسابهم ليسوا في شيء، فإن السماوات والأرض وجميع الأشياء لم تخلق عبثاً ولا سدى، ولا لتكون طاعة الله كما فعل هؤلاء ونظراؤهم، وإنما خلقت بالحق ولواجب مراد وأغراض لها نهايات من عذاب أو تنعيم { وإن الساعة لآتية } على جميع أمور الدنيا، أي فلا تهتم يا محمد بأعمال قومك فإن الجزاء لهم بالمرصاد، { فاصفح } عن أعمالهم، أي ولِّها صفحة عنقك بالإعراض عنها، وأكد الصفح بنعت الجمال إذ المراد منه أن يكون لا عتب فيه ولا تعرض.
وهذه الآية تقتضي مداهنة، ونسخها في آية السيف قاله قتادة، ثم تلاه في آخر الآية بأن الله تعالى يخلق من شاء لما شاء ويعلم تعالى وجه الحكمة في ذلك لا هذه الأوثان التي يعبدونها، وقرأ جمهور الناس "الخلاق"، وقرأ الأعمش والجحدري "الخالق".