خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
١١٦
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١١٧
وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١١٨
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٩
-النحل

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كانت ميتة يدل على ذلك قوله حكاية عنهم { { وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء } [الأنعام: 139] والآية تقتضي كل ما كان لهم من تحليل وتحريم فإنه كله افتراء منهم، ومنه ما جعلوه في الشهور، وقرأ السبعة وجمهور الناس "الكَذِبَ" بفتح الكاف وكسر الذال وفتح الباء، و"ما" مصدرية فكأنه قال لوصف ألسنتكم الكذب، وقرأ الأعرج وأبو طلحة وأبو معمر والحسن، "الكذبِ" بخفض الباء على البدل من "ما"، وقرأ بعض أهل الشام ومعَاذ بن جبل وابن أبي عبلة "الكُذُبُ" بضم الكاف والذال والباء على صفحة الألسنة، وقرأ مسلمة بن محارب "الكذبَ" بفتح الباء "الكُذُبَ" بفتح الباء على أنه جمع كذاب ككتب في جمع كتاب، وقوله { هذا حلال } إشارة إلى ميتة بطون الأنعام وكل ما أحلوا، وقوله { وهذا حرام } إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموا، وقوله { لتفتروا على الله الكذب }، إشارة إلى قولهم في فواحشهم التي هذه إحداها، وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد أنه كان شرعهم لاتباعهم سنناً لا يرضاها الله افتراء عليه، لأن من شرع أمراً فكأنه قال لأتباعه هذا هو الحق، وهذا مراد الله، ثم أخبرهم الله { إن الذين يفترون على الله الكذب } لا يبلغون الأمل، و"الفلاح" بلوغ الأمل، فطوراً يكون في البقاء كما قال الشاعر، والصبح والمسى لافلاح معه، ويشبه أن هذه الآية من هذا المعنى، يقوي ذلك قوله { متاع قليل }، وقد يكون في المساعي ومنه قول عبيد: بالرجز]

أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضعف وقد يخدع الأريب

وقوله { متاع قليل } إشارة إلى عيشهم في الدنيا، { ولهم عذاب أليم } بعد ذلك في الآخرة. وقوله { وعلى الذين هادوا } الآية، لما قص تعالى على المؤمنين ما حرم عليهم أعلم أيضاً بما حرم على اليهود ليبين تبديلهم الشرع فيما استحلوا من ذلك وفيما حرموا من تلقاء أنفسهم، وقولهم { ما قصصنا عليك }، إشارة إلى ما في سورة الأنعام "من ذي الظفر والشحوم" الآية: { { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } } [الأنعام: 146] وقوله { وما ظلمناهم } أي لم نضع العقوبة بتحريم تلك الأشياء عليهم في غير موضعها، بل هم طرقوا إلى ذلك وجاء من تسبيبهم بالمعاصي ما أوجب ذلك. وقوله { ثم إن ربك للذين عملوا السوء } هذه آية تأنيس لجميع العالم، أخبر الله تعالى فيها أنه يغفر للتائب، والآية إشارة إلى الكفار الذين افتروا على الله وفعلوا الأفاعيل المذكورة، فهم إذا تابوا من كفرهم بالإيمان وأصلحوا من أعمال الإسلام غفر الله لهم، وتناولت هذه الآية بعد ذلك كل واقع تحت لفظها من كافر وعاص. وقالت فرقة "الجهالة" العمد، و"الجهالة" عندي في هذا الموضع ليست ضد العلم بل هي تعدي الطور وركوب الرأس، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "أو أجهل أو يجهل علي" . وهي التي في قول الشاعر: [الوافر]

ألا لا يجهلنْ أحد علينا فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا

والجهالة التي هي ضد العلم تصحب هذه الأخرى كثيراً، ولكن يخرج منها المتعمد وهو الأكثر، وقلما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بخطر المعصية التي يواقع. والضمير في { بعدها } عائد على التوبة.