خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٩٤
وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٩٥
-النحل

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

كرر النهي عن اتخاذ الأيمان { دخلاً بينكم } تهمماً بذلك ومبالغة في النهي عنه، لعظم موقعه من الدين وتردده في معاشرات الناس، و"الدخل" كما قلنا الغوائل الخدائع، وقوله { فتزل قدم بعد ثبوتها } استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط لأن القدم إذا زلت نقلت الإحسان من حال خير إلى حال شر، ومن هذا المعنى قول كثير:

فلما توافينا ثبت وزلت

أي تنقلت من حال إلى حال، فاستعار لها الزلل، ومنه يقال لمن أخطأ في شيء: زل فيه، ثم توعد بعد بعذاب في الدنيا و { عذاب عظيم } في الآخرة، وقوله { بما صددتم عن سبيل الله } يدل على أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله { ولا تشتروا بعهد الله } الآية، هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على فعل ما يجب على الأخذ أو تركه، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها، فمن أخذ على ذلك مالاً فقد أعطى عهد الله وأخذ قليلاً من الدنيا، ثم أخبر تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى، ثم بين الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، أو ينقضي عنها، ومنن الآخرة باقية دائمة، وقرأ ابن كثير وعاصم "ولنجزين" بنون، وقرأ الباقون "وليجزين" بالياء ولم يختلفوا في قوله { ولنجزينهم } أنه بالنون، كذا قال أبو علي، وقال أبو حاتم: إن نافعاً روي عنه "وليجزينهم" بالياء، و{ صبروا } معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعة وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المذكورة، وقوله { بأحسن } أي بقدر أحسن ما كانوا يعملون، وقوله { من عمل صالحاً } يعم جميع أعمال الطاعة، ثم قيده بالإيمان، واختلف الناس في { الحياة الطيبة } فقال ابن عباس والضحاك: هو الرزق الحلال، وقال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هي القناعة وهذا طيب عيش الدنيا، وقال ابن عباس أيضاً: هي السعادة، وقال الحسن البصري: "الحياة الطيبة" هي حياة الآخرة ونعيم الجنة.
قال القاضي أبو محمد: وهناك هو الطيب على الإطلاق، ولكن ظاهر هذا الوعد أنه في الدنيا، والذي أقول: إن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر ملذ، فبهذا تطيب حياتهم وأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة، أو قناعة فذلك كمال، وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب وجاء قوله { فلنحيينه } على لفظ { من }، وقوله { ولنجزينهم } على معناها، وهذا وعد بنعيم الجنة، وباقي الآية بين، وحكى الطبري عن أبي صالح أنه قال: نزلت هذه الآية بسبب قوم من أهل الملل تفاخروا، وقال كل منهم ملتي أفضل، فعرفهم الله تعالى في هذه الآية أفضل الملل.