خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً
١٠٢
فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً
١٠٣
وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً
١٠٤
-الإسراء

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أنه قرأ "علمتُ" بتاء المتكلم مضمومة، وقال ما علم عدو الله قط، وإنما علم موسى، وتتقوى هذه القراءة لمن تأول { مسحوراً } [الإسراء: 101] على بابه، فلما رماه فرعون بأنه قد سحر ففسد نظره وعقله وكلامه، رد هو عليه بأنه يعلم آيات الله، وأنه ليس بمسحور، بل محرر لما يأتي به، وهي قراءة الكسائي، وقرأ الجمهور "لقد علمتَ" بتاء المخاطب مفتوحة، فكأن موسى عليه السلام رماه بأنه يكفر عناداً، ومن قال بوقوع الكفر عناداً فله تعلق بهذه الآية، وجعلها كقوله عز وجل: { { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [النمل: 14]، وقد حكى الطبري ذلك عن ابن عباس، ونحا إلى ذلك الزجاج، وهي معرضة للاحتمال على أن يكون قول موسى عليه السلام إبلاغاً على فرعون في التوبيخ، أي أنت بحال من يعلم هذا، وهي من الوضوح بحيث تعلمها، ولم يكن ذلك على جهة الخبر عن علم فرعون، ومن يريد من الآية وقوع الكفر عناداً فإنما يجعل هذا خبراً من موسى عن علم فرعون، والإشارة بـ { هؤلاء } إلى التسع الآيات، وقوله { بصائر } جمع بصيرة، وهي الطريقة أي طرائق يهتدى بها، وكذلك غلب على البصيرة أنها تستعمل في طريقة النفس في نظرها واعتقادها، ونصب { بصائر } على الحال، و"المثبور" المهلك، قاله مجاهد، وقال ابن عباس والضحاك هو المغلوب، وقال ابن زيد هو المخبول، وروي عن ابن عباس أنه فسره بالملعون، وقال بعض العلماء: كان موسى عليه السلام في أول أمره يجزع، ويؤمر بالقول اللين، ويطلب الوزير، فلما تقوت نفسه بقوى النبوءة، تجلد وقابل فرعون بأكثر مما أمره به بحسب اجتهاده الجائر له، قال ابن زيد: اجترأ موسى أن يقول له فوق ما أمره الله به، وقالت فرقة بل "المثبور" المغلوب المختدع، وما كان موسى عليه السلام ليكون لعاناً، ومن اللفظة قول عبد الله بن الزبعرى: [الخفيف]

إذا جاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبورا

وقوله عز وجل { فأراد أن يستفزهم } الآية، { يستفزهم } معناه يستخفهم ويقلعهم، إما بقتل أو بإجلاء، و { الأرض } أرض مصر، وقد تقدم أنه متى ذكرت الأرض عموماً فإنما يراد بها ما يناسب القصة المتكلم فيها، وقد يحسن عمومها في بعض القصص.
قال القاضي أبو محمد: واقتضبت هذه الآية قصص موسى مع فرعون وإنما ذكرت عظم الأمر وخطيره، وذلك طرفاه، أراد فرعون غلبتهم وقتلهم وهذا كان بدء الأمر "فأغرقه" الله أغرق جنوده وهذا كان نهاية الأمر، ثم ذكر تعالى أمر { بني إسرائيل } بعد إغراق فرعون بسكنى أرض الشام، و { وعد الآخرة } هو يوم القيامة، و"اللفيف" الجمع المختلط الذي قد لف بعضه إلى بعض، فليس ثم قبائل ولا انحياز، قال بعض اللغويين: هو من أسماء الجموع ولا واحد له من لفظه، وقال الطبري هو بمعنى المصدر كقول القائل لففته لفاً و { لفيفاً } وفي هذا نظر فتأمله.