خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً
٤١
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً
٤٢
يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً
٤٣
يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً
٤٤
يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً
٤٥
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً
٤٦
-مريم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله: { واذكر } بمعنى واتل وشهر، لان الله تعالى هو الذكر، و { الكتاب } هو القرآن وهذا وشبهه من لسان الصدق الذي أبقاه الله عليهم، و"الصديق"، فعيل بناء مبالغة من الصدق، وقرأ أبو البرهسم "إنه كان صادقاً"، والصدق عرفه في اللسان وهو مطرد في الأفعال والخلق، ألا ترى أنه يستعار لما لا يعقل فيقال صدقني الطعام كذا وكذا قفيزاً، ويقال عود صدق للصلب الجيد، فكان إبراهيم عليه السلام يوصف بالصدق على العموم في أفعاله وأقواله وذلك يغترق صدق اللسان الذي يضاد الكذب، وأبو بكر رضي الله عنه وصف بـ"صدّيق" لكثرة ما صدق في تصديقه بالحقائق وصدق في مبادرته الى الإيمان وما يقرب من الله تعالى، و"الصديق" مراتب ألا ترى أن المؤمنين صديقون لقوله تعالى: { { الذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } } [الحديد: 19]. وقوله { يا أبت }، اختلف النحاة في التاء من { أبت }، فمذهب سيبويه أنها عوض عن ياء الإضافة والوقوف عنده عليها بالهاء، ومذهب الفراء أن يوقف عليها بالتاء، لان الياء التي للإضافة عنده منوية وجمهور القراء على كسر التاء، وفي مصحف ابن مسعود "واأبت" بواو للنداء، وقرأ ابن عامر والأعرج وأبو جعفر. "يا أبتَ" بفتح التاء، ووجهها أنه أراد "يا أبتا" فحذف الألف وترك الفتحة دالة عليها، ووجه آخر أن تكون التاء المقحمة كالتي في قوله يا طلحة وفي هذا نظر وقد لحن هارون هذه القراءة، والذي { لا يسمع ولا يبصر }، هو الصنم ولو سمع وأبصر كما هي حالة الملائكة وغيرهم ممن عبد لم يحسن عبادتها، لكن بين إبراهيم عليه السلام بنفي السمع والبصر شنعة الرأي في عبادتها وفساده. وقوله { قد جاءني } يدل على أن هذه المقاولة هي بعد أن نبئ، و"الصراط السوي"، معناه الطريق المستقيم، وهو طريق الإيمان، وقوله { يا أبت لا تعبد الشيطان }، مخاطبة بر واستعطاف على حالة كفره. وقوله { لا تعبد الشيطان } يحتمل أن يكون أبوه ممن عبد الجن ويحتمل أن يجعل طاعة الشيطان المعنوي في عبادة الأوثان والكفر بالله عبادة له. و"العصى"، فعيل من عصى يعصي اذا خالف الأمر، وقوله { أخاف أن يمسك } قال الطبري وغيره { أخاف } بمعنى أعلم.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر عندي أنه خوف على بابه، وذلك أن إبراهيم عليه السلام لم يكن في وقت هذه المقاولة يائساً من إيمان أبيه، فكان يرجو ذلك وكان يخاف أن لا يؤمن ويتمادى على كفره الى الموت فيمسه العذاب، و"الولي" الخالص المصاحب القريب بنسب أو مودة، قال آزر وهو تارخ { أراغب أنت عن آلهتي }، والرغبة ميل النفس، فقد تكون الرغبة في الشيء وقد تكون عنه، وقوله { أراغب } رفع بالابتداء و { أنت } فاعل به يسد مسد الخبر وحسن ذلك وقربه اعتماد "راغب" على ألف الاستفهام، ويجوز أن يكون "راغب" خبراً مقدماً و { أنت } ابتداء والأول أصوب وهو مذهب سيبويه. وقوله { عن آلهتي }، يريد الأصنام وكان فيما روي ينحتها وينجرها بيده ويبيعها ويحض عليها فقرر ابنه إبراهيم على رغبته عنها على جهة الإنكار عليه ثم أخذ يتوعده، وقوله { لأرجمنك } اختلف فيه المتأولون، فقال السدي وابن جريج والضحاك: معناه بالقول، أي لأشتمنك { واهجرني } أنت إذا شئت مدة من الدهر، أو سالماً حسب الخلاف الذي سنذكره. وقال الحسن بن أبي الحسن: معناه { لأرجمنك } بالحجارة، وقالت فرقة: معناه لأقتلنك، وهذان القولان بمعنى واحد، وقوله { واهجرني } على هذا التأويل إنما يترتب بأنه أمر على حياله كأنه قال: إن لم تنته لأقتلنك بالرجم، ثم قال له { واهجرني } أي مع انتهائك كأنه جزم له الأمر بالهجرة وإلا فمع الرجم لا تترتب الهجرة و { ملياً } معناه دهراً طويلاً مأخوذ من الملوين وهما الليل والنهار وهذا قول الجمهور والحسن ومجاهد وغيرهما فهو ظرف، وقال ابن عباس وغيره { ملياً } معناه سليماً منا سوياً فهو حال من { إبراهيم } عليه السلام، وتلخيص هذا أن يكون بمعنى قوله مستبداً بحالك غنياً عني ملياً بالاكتفاء.