خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً
٥١
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً
٥٢
وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً
٥٣
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً
٥٤
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
٥٥
-مريم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا أمر من الله عز وجل بذكر { موسى } بن عمران عليه السلام على جهة التشريف، له وأعلمه بـ { إنه كان مخلصاً }، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر "مخلِصاً" بكسر اللام وهي قراءة الجمهور أي أخلص نفسه لله، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم "مخلَصاً" بفتح اللام وهي قراءة أبي رزين ويحيى وقتادة أي أخْلَصَهُ الله للنبوءة والعبادة كما قال تعالى { { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } [ص:46]. و"الرسول" من الأنبياء الذي يكلف تبليغ أمة، وقد يكون نبياً غير رسول، وقوله { وناديناه } هو تكليم الله تعالى، و { الطور } الجبل المشهور في الشام، وقوله { الأيمن } صفة للجانب، وكانت على يمين موسى بحسب وقوفه فيه، وإلا فالجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة ولا يوصف بشيء من ذلك إلا بالاضافة الى ذي يمين ويسار، ويحتمل أن يكون قوله { الأيمن } مأخوذاً من اليمن كأنه قال الأبرك والأسعد، فيصح على هذا أن يكون صفة للجانب وللجبل بجملته، وقوله، { وقربناه نجياً } قال الجمهور هو تقريب التشريف بالكلام والنبوءة، وقال ابن عباس: بل أدني موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام وقاله ميسرة، وقال سعيد: أردفه جبريل، و"النجي"، فعيل من المناجاة وهي المسارّة بالقول، وقال قتادة { نجياً } معناه نجا بصدقة وهذا مختل، وإنما "النجي" المنفرد بالمناجاة، وكان { هارون } عليه السلام أسن من موسى وطلب من الله أن يشد أزره بنبوته ومعونته فأجابه الله تعالى إلى ذلك وعدها في نعمه عليه، وقوله تعالى: { واذكر في الكتاب إسماعيل }، وهو أيضاً من لسان الصدق والشرف المضمون بقاؤه على آل إبراهيم عليه السلام، و { إسماعيل } هو أبو العرب اليوم وذلك أن اليمينة والمضرية ترجع الى ولد { إسماعيل } وهو الذي أسكنه أبوه بواد غير ذي زرع وهو الذبيح في قوله الجمهور وقالت فرقة الذبيح إسحاق.
قال القاضي أبو محمد: والأول يترجح بجهات منها قول الله تبارك وتعالى، ومن وراء إسحاق يعقوب فولد قد بشر أبواه أنه سيكون منه ولد هو حفيد لهم كيف يؤمر بعد ذلك بذبحه وهذه العدة قد تقدمت وجهة أخرى وهي أن أمر الذبح لا خلاف بين العلماء أنه كان بمنى عند مكة وما روي قط أن إسحاق دخل تلك البلاد، وإسماعيل بها نشأ وكان أبوه يزور مراراً كثيرة يأتي من الشام ويرجع من يومه على البراق وهو مركب الأنبياء، وجهة أخرى وهي قول النبي عليه السلام
"أنا ابن الذبيحين" وهو أبوه عبدالله لأنه فدي بالإبل من الذبح، والذبيح الثاني هو أبوه إسماعيل، وجهة أخرى وهي الآيات في سورة الصافات وذلك أنه لما فرغ من ذكر الذبح وحاله، قال { { وبشرناه بإسحاق } [الصافات:112]، فترتيب تلك الآيات يكاد ينص على أن الذبيح غير إسحاق، ووصفه الله تعالى بـ "صِدق الوعد" لأنه كان مبالغاً في ذلك، روي أنه وعد رجلاً أن يلقاه في موضع فجاء إسماعيل وانتظر الرجل يومه وليلته فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل فقال له ما زلت هنا في انتظارك منذ أمس، وفي كتاب ابن سلام أنه انتظره سنة وهذا بعيد غير صحيح والأول أصح، وقد فعل مثله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث، ذكره النقاش وخرجه الترمذي وغيره، وذلك في مبايعة وتجارة وقيل وصفه بـ"صدق الوعد" لوفائه بنفسه في أمر الذبح أذ قال { { ستجدني إن شاء الله صابراً } [الكهف: 69] وقال سفيان بن عيينة: أسوأ الكذب إخلاف الميعاد ورمي الأبرياء بالتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العدة دين فناهيك بفضيلة الصدق" في هذا و { أهله }، يريد بهم قومه وأمته، قاله الحسن، وفي مصحف عبد الله بن مسعود "وكان يأمر قومه". وقوله { مرضياً } أصله مرضوياً لقيت الواو وهي ساكنة الياء فأبدلت ياء وأدغمت ثم كسرت الضاد للتناسب في الحركات، وقرأ ابن أبي عبلة "وكان عند ربه مرضواً".