"الخَلف" بفتح اللام القرن يأتي بعد آخر يمضي، والابن بعد الأب، وقد يستعمل في سائر الأمور.
"والخلْف" بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموماً هذا مشهور كلام العرب وقد ذكر عن بعضهم أن
الخلَف والخلْف بمعنى واحد وحجة ذلك قول الشاعر:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع
وقرأ الجمهور "الصلاة" بالإفراد، وقرأ الحسن "أضاعوا الصلوات" بالجمع، وكذلك في مصحف ابن
مسعود، والمراد بـ"الخلف" من كفر أو عصى بعد من بني إسرائيل، وقال مجاهد: المراد النصارى خلفوا
بعد اليهود وقال محمد بن كعب ومجاهد وعطاء: هم قوم من أمة محمد آخر الزمان، أي يكون في هذه
الامة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال "كان الخلف بعد ستين سنة" وهذا عرف إلى يوم القيامة وتتجدد أيضاً المبادئ، واختلف الناس في
"إضاعة الصلاة" منهم، فقال محمد بن كعب القرظي وغيره: "كانت اضاعة كفر وجحد بها". وقال
القاسم بن مخيمرة وعبدالله بن مسعود: "كانت اضاعة أوقاتها والمحافظة على أوانها" وذكره الطبري عن
عمر ين عبدالعزيز رضي الله عنه في حديث طويل. و { الشهوات } عموم وكل ما ذكر من ذلك فمثال،
و"الغي" الخسران والحصول في الورطات ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وبه فسر ابن زيد هذه الآية، وقد يكون "الغي" أيضاً بمعنى الضلال فيكون على هذا هنا حذف
مضاف تقديره "يلقون جزاء الغي" وبهذا فسر الزجاج. وقال عبدالله بن عمرو وابن مسعود "غي" واد في
جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية، وقيل "غي وآثام، نيران في جهنم" رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي
عليه السلام. وقوله { إلا من تاب } استثناء يحتمل الاتصال والانقطاع، وقوله { وآمن } يقتضي أن الإضافة
أولاً هي إضاعة كفر هذا مع اتصال الاستثناء، وعليه فسر الطبري. وقرأ الجمهور "يُدخَلون" بضم الياء وفتح
الخاء، وقرأ الحسن كل ما في القرآن "يَدخُلون" بفتح الياء وضم الخاء، وقوله { جنات عدن }، وقرأ
جمهور الناس "جناتِ عدن" بنصب الجنات على البدل من قوله { يدخلون الجنة }، وقرأ الحسن
وعيسى بن عمر وأبو حيوة "جناتُ" برفعها على تقدير تلك الجنات، وقرأ علي بن صالح "جنةَ" على الإفراد
والنصب وكذلك في مصحف ابن مسعود وقرأها الأعمش، و "العدن" الإقامة المستمرة، قوله { بالغيب } أي
أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم، وفي هذا مدح لهم عن سرعة إيمانهم وبدراهم إذ لم يعاينوا.
و"المأتي" مفعول على بابه، والآتي هو الإنجاز والفعل الذي تضمنه الوعد، وكان إيتانه إنما يقصد به
"الوعد" الذي تقدمه. وقالت جماعة من المفسرين: هو مفعول في اللفظ بمعنى فاعل بمعنى آت وهذا
بعيد، والنظر الأول أصوب، و"اللغو" الساقط من القول، وهو أنواع مختلفة كلها ليست في الجنة، وقوله
{ إلا سلاماً }، استثناء منقطع، المعنى لكن يسمعون كلاماً هو تحية الملائكة لهم في كل الأوقات. وقوله
{ بكرة وعشياً }، يريد في التقدير أي يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن، ويروى أن
أهل الجنة تنسد لهم الأبواب بقدر الليل في الدنيا فهم يعرفون البكرة عند انفتاحها والعشي عند انسدادها،
وقال مجاهد: ليس بكرة ولا عشياً لكن يؤتى به على قدر ما كانوا يشتهون في الدنيا، وقد ذكر نحوه قتادة، أن
تكون مخاطبة بما تعرفه العرب وتستغربه في رفاهة العيش، وجعل ذلك عبارة عن أن رزقهم يأتي على
أكمل وجوهه. وقال الحسن: خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش وذلك أن كثيراً من العرب
إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم وهي غايته، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان ونحوه ألا
ترى قول الشاعر: [المنسرح]
عصرته نطفة تضمنها لصب توقى مواقع السبل
أو وجبة من جناة أشكله إن لم يزغها بالقوس لم تنلِ
الوجبة الأكلة في اليوم. وقرأ الجمهور "نوْرث" بسكون الواو، وقرألأعمش "نورثها" وقرأ الحسن
والأعرج وقتادة "نوَرّث" بفتح الواو وشد الراء.