خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً
٦٦
أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً
٦٧
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً
٦٨
ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً
٦٩
-مريم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ الإنسان } اسم للجنس يراد به الكافر، وروي أن سبب هذه الآية هو أن رجالاً من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه، وذكر أن القائل هو أبي خلف جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم مرفت فنفخ فيه وقال أيبعث هذا وكذب وسخر، وقيل إن القائل هو العاصي بن وائل، وقرأ الأعرج وأبو عمرو "ائذا مامت" بالاستفهام الظاهر، وقرأت فرقة "إذا" دون ألف استفهام وقد تقدم هذا مستوعباً، وقرأت فرقة بكسر الميم، وقرأت فرقة "مُت" بضمها. واللام في قوله { لسوف } مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى كأن قائلاً قال للكافر إذا مت يا فلان لسوف تخرج حياً فقرر الكافر على الكلام على جهة الاستبعاد وكرر اللام حكاية للقول الأول. وقرأ جمهور الناس "أُخرَج" بضم الهمزة وفتح الراء، وقرأ الحسن بخلاف وأبو حيوة "أَخرُج" بفتح الهمزة وضم الراء. وقوله { أو لا يذكر } احتجاج خاطب الله تعالى به نبيه عليه السلام رداً على مقالة الكافر. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر "ويذكر"، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي "يذكّر" بشد الذال والكاف، وقرأ أبي بن كعب "يتذكر" والنشأة الأولى والإخراج من العدم إلى الوجود أوضح دليل على جواز البعث من القبور ثم قرر وأوجبه السمع، وقوله { ولم يك شيئاً } دليل على أن المعدوم لا يسمى { شيئاً } وقال أبو علي الفارسي أراد { شيئاً } موجوداً.
قال القاضي أبو محمد: وهذه نزعة اعتزالية فتأملها وقوله { فوربك } الآية وعيد يكون ما نفوه على أصعب وجوهه، والضمير في قوله { لنحشرهم } عائد للكفار القائلين ما تقدم، ثم أخبر أنه يقرن بهم { الشياطين } المغوين لهم. وقوله { جثياً } جمع جاث كقاعد وقعود وجالس وجلوس وأصله جثووا وليس في كلام العرب واو متطرفة قبلها ضمة فوجب لذلك أن تعل، ولم يعتد هاهنا بالساكن الذي بينهما لخفته وقلة حوله فقلبت ياء فجاء جثوياً فاجتمع الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت ياء ثم أدغمت ثم كسرت التاء للتناسب بين الكسرة والياء. وقرأ الجمهور "جُثياً" و "صُلياً" [مريم: 70] بضم الجيم والصاد، وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش "جِثياً" و"صِلياً" [ذاته] بكسر الجيم والصاد وأخبر الله تعالى أنه يحضر هؤلاء المنكرين للبعث مع الشياطين فيجثون حول جهنم وهي قعدة الخائف الذليل على ركبتيه كالأسير. ونحوه قال قتادة { جثياً } معناه على ركبهم وقال ابن زيد: الجثي شر الجلوس، و"الشيعة" الفرقة المرتبطة بمذهب واحد المتعاونة فيه كأن بعضهم يشيع بعضاً أي ينبه، ومنه تشييع النار بالحطب وهو وقدها به شيئاً بعد شيء، ومنه قيل للشجاع مشيع القلب فأخبر الله أنه ينزع { من كل شيعة } أعتاها وأولاها بالعذاب فتكون تلك مقدمتها إلى النار. قال أبو الأحوص: المعنى نبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً، ثم أخبر تعالى في الآية بعد، أنه أعلم بمستحقي ذلك وأبصر لأنه لم تخف عليه حالهم من أولها إلى آخرها. وقرأ بعض الكوفيين ومعاذ بن مسلم وهارون القاري "أيَّهم" بالنصب، وقرأ الجمهور "أيُّهم" بالرفع، إلا أن طلحة والأعمش سكنا ميم "أيهمْ" واختلف الناس في وجه رفع "أي"، فقال الخليل رفعه على الحكاية بتقدير الذي يقال فيه من أجل عتوه "أيُّهم" أشد وقرنه بقول الشاعر: [الكامل]

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم

أي فأبيت يقال فيَّ لا حرج ولا محروم. ورحج الزجاج قول الخليل وذكر عنه النحاس أنه غلط سيبوبه في قوله في هذه المسألة، قال سيبويه: ويلزم على هذا أن يجوز أضرب السارق الخبيث أي الذي يقال له ع: وليس بلازم من حيث هذه أسماء مفردة والآية جملة وتسلط الفعل على المفرد أعظم منه على الجملة، ومذهب سيبوبه أن "أيُّهم" مبني على الضم إذ هي اخت "الذي ولما" وخالفتهما في جواز الإضافة فيها فأعربت لذلك، فلما حذف من صلتها ما يعود عليها ضعفت فرجعت الى البناء، وكأن التقدير "أيُّهم" هو أشد. قال أبو علي: حذف ما الكلام مفتقر إليه فوجب البناء، وقال يونس: علق عنها الفعل وارتفعت بالابتداء، قال أبو علي: معنى ذلك أنه معمل في موضع من كل شيعة إلا أنه ملغى لأنه لا تعلق جملة إلا أفعال الشك كظننت ونحوها مما لم يتحقق وقوعه، وقال الكسائي { لننزعن } أريد به لننادين فعومل معاملة الفعل المراد فلم يعمل في "أي" وقال المبرد "أيُّهم" متعلق بـ { شيعة } فلذلك ارتفع، والمعنى من الذين تشايعوا "أيهم" أشد كأنهم يتبارون إلى هذا ويلزمه أن يقدر مفعولاً لـ"ننزع" محذوفاً. وقرأ طلحة بن مصرف "أيهم أكبر". و { عتيا } مصدر أصله عتوواً وعلل بما علل { جثياً } وروى أبو سعيد الخدري "أنه يندلق عنق من النار فيقول إني أمرت بكل جبار عنيد" فتلتقطهم الحديث.