خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
٩١
إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ
٩٢
وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ
٩٣
فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ
٩٤
وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٩٥
-الأنبياء

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المعنى واذكر { التي أحصنت } وهي مريم بنت عمران أم عيسى، و"الفرج" فيما قال الجمهور وهو ظاهر القرآن الجارحة المعروفة وفي إحصانها هو المدح، وقالت فرقة الفرج هنا هو فرج ثوبها الذي منه نفخ الملك وهو ضعيف، وأما نفخ الولد فيها فقال كثير من العلماء إنما نفخ في جيب درعها وأخاف الروح إضافة الملك إلى المالك، { وابنها } هو عيسى ابن مريم عليه السلام، وأراد تعالى أَنه جعل مجموع قصة عيسى وقصة مريم من أولها إلى آخرها { آية } لمن اعتبر ذلك، و { للعالمين } يريد لمن عاصره فيما بعد ذلك، وقوله تعالى: { إن هذه أمتكم } يحتمل الكلام أن يكون منقطعاً خطاباً لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر عن الناس أنهم تقطعوا ثم وعد وأوعد، ويحتمل أن يكون متصلاً أي جعلنا مريم { وابنها آية للعالمين } بأن بعث لهم بملة وكتاب وقيل لهم { إن هذه أمتكم } أي دعي الجميع إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته، ثم أخبر تعالى أَنهم بعد ذلك اختلفوا وتقطعوا أمرهم ثم فرق بين المحسن والمسيء فذكر المحسن بالوعد أي { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن } فهو بنعيمه مجازى وذكر المسيء في قوله، { حرام } إلى آخر الآية فتأمل الوعيد فيها على كل قول تذكرة فإنه بين، و"الكفران" مصدر كالكفر ومنه قول الشاعر: [الطويل]

رأيت أناساً لا تنام جدودُهم وجدي ولا كفران لله نائم

واختلف القراء في قوله تعالى { وحرام }، فقرأ عكرمة وغيره "وحَرِم" بفتح الحاء وكسر الراء، وقرأ جمهور السبعة و"حرام" وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم، و"حِرْم" بكسر الحاء وسكون الراء، وقرا ابن العباس بخلاف عنه "وحَرْم" بفتح وسكون الراء، وقرأت فرقة "وحَرّم" بفتح الحاء وشد الراء، وقرأت فرقة "وحُرِّم" بضم الحاء وكسر الراء وشدها، وقرأ قتادة ومطر الوراق "وحَرُم" بفتح الحاء وضم الراء، والمستفيض من هذه القراءات قراءة من قرأ و"حرم" وقراءة من قرأ و"حرام" وهما مصدران بمعنى نحو الحل والحلال، فأما معنى الآية فقالت فرقة "حرام وحرم" معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم { على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هو صائرون إلى العقاب، وقال بعض هذه الفرقة الإهلاك هو بالطبع على القلوب ونحوه والرجوع هو إلى التوبة والإيمان، وقالت فرقة المعنى { وحرام } أي ممتنع، و"حرم" كذلك، { على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } وقالوا { لا } زائدة في الكلام واختلفوا في الإهلاك والرجوع بحسب القولين المذكورين، قال أبو علي يحتمل أن يرتفع "حرامُ" بالابتداء والخبر رجوعهم و { لا } زائدة، ويحتمل أن يرتفع "حرام" على خبر الابتداء كأنه قال والإقالة والتوبة "حرام" ثم يكون التقدير "بأنهم لا يرجعون" فتكون { لا } على بابها كأنه قال هذا عليهم ممتنع بسبب كذا فالتحريم في الآية بالجملة ليس كتحريم الشرع الذي إن شاء المنهي ركبه.
قال القاضي أبو محمد: ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحاً وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين أن لا يرجعون بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه فتكون { لا } على بابها والحرام على بابه وكذلك الحرم فتأمله.