خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
١
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ
٢
-الحج

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

صدر الآية تحذير لجميع العالم ثم أوجب الخبر وأكده بأمر { زلزلة } القيامة وهي إحدى شرائطها وسماها "شيئاً" إما لأنها حاصلة متيقن وقوعها فيستسهل لذلك أن تسمى شيئاً.
وهي معدومة إذ اليقين بها يشبهها بالموجودات وأما على المآل أي هي إذا وقعت شيء عظيم فكأنه لم يطلق الاسم الآن بل المعنى أنها إذا كانت فهي حينئذ شيء عظيم، والزلزلة التحريك العنيف وذلك مع نفخة الفزع ومع نفخة الصعق حسبما تضمن حديث أبي هريرة من ثلاث نفخات ومن لفظ الزلزلة قول الشاعر: [الخفيف]

يعرف الجاهل المضلل أن الدهر فيه النكراء والزلزال

فيحتمل أن تكون "الزلزلة" في الآية عبارة عن أهوال يوم القيامة كما قال تعالى { { مستهم البأساء والضراء وزلزلوا } [البقرة: 214] وكما قال عليه السلام "اللهم اهزمهم وزلزلهم" ، والجمهور على أن { زلزلة الساعة } هي كالمعهودة في الدنيا إلا أنها في غاية الشدة، واختلف المفسرون في "الزلزلة" المذكورة هل هي في الدنيا على القوم الذين تقوم عليهم القيامة، أم هي في يوم القيامة على جميع العالم؟ فقال الجمهور هي في الدنيا والضمير في { ترونها } عائد عندهم على الزلزلة وقوى قولهم إن الرضاع والحمل إنما هو في الدنيا، وقالت فرقة "الزلزلة" في القيامة واحتجت بحديث أنس المذكور آنفاً إذ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ثم قال "إنه اليوم الذي يقول الله تعالى فيه لآدم أخرج بعث النار" . ع وهذا الحديث لا حجة فيه لأنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية المتضمنة ابتداء أمر الساعة ثم قصد في تذكيره وتخويفه إلى فصل من فصول يوم القيامة فنص ذكره وهذا من الفصاحة، والضمير عند هذه الفرقة عائد على { الساعة } أي يوم يرون ابتداءها في الدنيا، فيصح لهم بهذا التأويل أن لا يلزمهم وجود الرضاع والحمل في يوم القيامة ولو أعادوه على الزلزلة فسد قولهم بما يلزمهم، على أن النقاش ذكر أن المراد بـ { كل ذات حمل } من مات من الإناث وولدها في جوفها. ع وهذا ضعيف و"الذهول" الغفلة عن الشيء بطريان ما يشغل عنه من هم أو وجع أو غيره وقال ابن زيد المعنى تترك ولدها للكرب الذي نزل بها، وقرأ ابن أبي عبلة "تُذهِل" بضم التاء وكسر الهاء ونصب "كلَّ" وألحق الهاء في "مرضع" لأنه أراد فاعلات ذلك في ذلك اليوم فأجراه على الفعل وأما إذا أخبرت عن المرأة بأن لها طفلاً ترضعه فإنما تقول مرضع مثل حامل قال علي بن سليمان هذه الهاء في { مرضعة } ترد على الكوفيين قولهم إن الهاء لا تكون فيما لا تلبس له بالرجال، وحكى الطبري أن بعض نحويي الكوفة قال أم الصبي مرضعة، { وترى الناس سكارى } تشبيه لهم، أي من الهم، ثم نفى عنهم السكر الحقيقي الذي هو من الخمر قاله الحسن وغيره، وقرأ جمهور القراء "سُكارى" بضم السين وثبوت الألف وكذلك في الثاني وهذا هو الباب فمرة جعله سيبويه جمعاً ومرة جعله اسم جمع، وقرأ أبو هريرة بفتح السين فيهما وهذا أيضاً قد يجيء في هذه الجموع قال أبو الفتح هو تكسير، وقال أبو حاتم هي لغة تميم، وقرأ حمزة والكسائي "سكرى" في الموضعين، ورواه عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قراءة ابن مسعود وحذيفة وأصحاب عبدالله، قال سيبويه وقوم يقولون "سكرى" جعلوه مثل مرضى لأنهما شيئان يدخلان على الإنسان، ثم جعلوا روبى مثل سكرى وهم المستثقلون نوماً من شرب الرائب، قال أبو علي ويصح أن يكون "سكرى" جمع سكر كزمن وزمنى وقد حكى سيبويه رجل سكر بمعنى سكران فتجيء "سكرى" حينئذ لتأنيث الجمع كعلامة في طائفة لتأنيث الجمع، وقرأ سعيد بن جبير "وترى الناس سكرى وما هم بسُكارى" بالضم والألف، وحكى المهدوي عن الحسن أنه قرأ الناس "سكارى وما هم بسكرى"، وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة بن عمرو بن جرير في الموضعين "سُكرى" بضم السين، قال أبو الفتح هو اسم مفرد كالبشرى وبهذا أفتاني أبو علي وقد سألته عن هذا، وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو هريرة وأبو نهيك "وتُرى" بضم التاء "الناسَ" بالنصب قال وإنما هي محسبة، ورويت هذه القراءة "تُرى الناسُ" بضم التاء والسين أي ترى جماعة الناس.