خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ
٩٩
لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٢
-المؤمنون

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ حتى } في هذا الموضع حرف ابتداء ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف، والأول أبين لأن ما بعدها هو المعنيّ به المقصود ذكره، والضمير في قوله { أحدهم } للكفار، وقوله { ارجعون } معناه إلى الحياة الدنيا، وجمع الضمير يتخرج على معنيين إما أن يخاطبه مخاطبة الجمع تعظيماً على نحو إخباره تعالى عن نفسه بنون الجماعة في غير موضع، وإما أن تكون استغاثة بربه أولاً ثم خاطب ملائكة العذاب بقوله { ارجعون }، وقال الضحاك هي من المشرك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعائشة "إذا عاين المؤمن قالت الملائكة نرجعك فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدماً إلى الله وأما الكافر فيقول { ارجعون لعلي أعمل صالحاً }" ، وقرأ الحسن والجمهور "لعلي" بسكون الياء، وقرأ طلحة بن مصرف "لعليَ" بفتح الياء، و { كلا } رد وزجر وهي من كلام الله تعالى، وقوله { إنها كلمة هو قائلها } يحتمل ثلاثة معان: أحدهما الإخبار المؤكد بأن هذا الشيء يقع ويقول هذه الكلمة، والآخر أن يكون المعنى إنها كلمة لا تغني أكثر من أن يقولها ولا نفع له فيها ولا غوث، والثالث أن تكون إشارة إلى أنه لو رد لعاد فتكون آية ذم لهم، والضمير في { ورائهم } للكفار أي يأتي بعد موتهم حاجز من المدة و"البرزخ"، في كلام العرب الحاجز بين المسافتين، ثم يستعار لما عدا ذلك فهو هنا للمدة التي بين موت الإنسان وبين بعثه، هذا إجماع من المفسرين، وقرأ الجمهور "في الصور" وهو القرن، وقرأ ابن عباس "الصوَر" بفتح الواو جمع صورة، و { يوم } مضاف إلى { يبعثون } وقوله { فى أنساب بينهم يومئذ } اختلف المتأولون في صفة ارتفاع الأنساب فقال ابن عباس وغيره: هذا في النفخة الأولى وذلك أن الناس بأجمعهم يموتون فلا يكون بينهم نسب في ذلك الوقت وهم أموات.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التأويل يزيل ما في الآية من ذكر هول الحشر، وقال ابن مسعود وغيره: إنما المعنى أنه عند النفخة الثانية وقيام الناس من القبور فهم حينئذ لهول المطلع واشتغال كل امرىء بنفسه قد انقطعت بينهم الوسائل وزال انتفاع الأنساب فلذلك نفاها فالمعنى { فلا أنساب } وروي عن قتادة أنه قال: ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن تكون له عنده مظلمة وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ويفرح كل أحد يومئذ أن يكون له حق على ابنه وأبيه، وقد ورد بهذا الحديث، وكذلك ارتفاع التساؤل والتعارف لهذه الوجوه التي ذكرناها ثم تأتي في القيامة مواطن يكون فيها السؤال والتعارف.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التأويل حسن وهو مروي المعنى عن ابن عباس و"ثقل الموازين" هو الحسنات، والثقل والخفة إنما يتعلق بأجرام يخترع الله فيها ذلك وهي فيما روي براءات.