خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً
٣٥
فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
٣٦
وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
٣٨
وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً
٣٩
-الفرقان

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية التي ذكر فيها الأمم هي تمثيل لهم وتوعد أن يحل بهم ما حل بهؤلاء المعذبين، و { الكتاب } التوراة، والوزير المعين، وهو من تحمل الوزر أي ثقل الحال أو من الوزر الذي هو الملجأ، و { القوم الذين كذبوا } هم فرعون وملؤه من القبط، ثم حذف من الكلام كثير دل عليه ما بقي، وتقدير المحذوف فأديا الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. وقرأ علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب "فدمرانهم" أي كونا سبب ذلك، قال أبو الفتح ألحق نون التوكيد ألف التثنية كما تقول اضربان زيداً.
قال الفقيه الإمام القاضي : وروي عن علي رضي الله عنه"فدمراهم"، وحكى عنهم أبو عمرو الداني "فدمِرناهم" بكسر الميم خفيفة، قال وروي عنه "فدمروا بهم" على الأمر لجماعة وزيادة باء، والذي فسر أبو الفتح وهم وإنما القراءة "فدمرا بهم" بالباء، وكذلك المهدوي، ونصب قوله { وقومَ نوح } بفعل مضمر يدل عليه { أغرقناهم }، وقوله { الرسل } وهم إنما كذبوا نوحاً فقط معناه أن الأمة التي تكذب نبياً واحداً ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم تغليظاً في القول عليهم، وقوله { آية } أي علامة على سطوة الله تعالى بكل كافر بأنبيائه، وعاد وثمود يصرف، وجاء ها هنا مصروفاً، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى "وعاداً" مصروفاً "وثمود" غير مصروف، واختلف الناس في { أصحاب الرس } فقال ابن عباس هم قوم ثمود، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة، يقال لها { الرس } والفلج، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة الخ... يقال لها { الرس }، وقال كعب ومقاتل والسدي { الرس } بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين، وقال الكلبي { أصحاب الرس } قوم بعث إليهم نبي فأكلوه، وقال قتادة { أصحاب الرس } وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما شعيب عليه السلام، وقاله وهب بن منبه وقال علي رضي الله عنه في كتاب الثعلبي { أصحاب الرس } قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، رسوا نبيهم في بير حفروه له في حديث طويل، و { الرس } في اللغة كل محفور من بير أو قبر أو معدن ومنه قول الشاعر [النابغة الجعدي]: [المتقارب]

سبقت إلى فرط بأهل تنابلة يحفرون الرساسا

وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الرس المشار إليهم في هذه الآية قوم أخذوا نبيهم فرسوه في بير وأطبقوا عليه صخرة، قال فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى تلك البير فيعينه الله على تلك الصخرة إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل، قال الطبري فيمكن أنهم كفروا به بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية، وقوله { وقروناً بين ذلك كثيراً } إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل وقد تقدّم شرح القرن وكم هو، ومن هذا اللفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى، ويروى أن ابن عباس قاله، "كذب النسابون من فوق عدنان لأن الله تعالى أخبر عن كثير من الخلق والأمم ولم يحد"، ثم قال تعالى إن كل هؤلاء "ضرب له الأمثال"، ليهتدي فلم يهتد، "فتبره" الله أي أهلكه، والتبار الهلاك ومنه تبر الذهب أي المكسر المفتت، وكذلك يقال لفتات الرخام والزجاج تبر، وقال ابن جبير إن أصل الكلمة نبطي ولكن العرب قد استعملته.