خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٤٢
يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ
٤٣
-آل عمران

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قال الطبري: العامل في { إذ } قوله { سميع } فهو عطف على قوله: { { إذ قالت امرأة عمران } [آل عمران: 35]، وقال كثير من النحاة: العامل في { إذ } في هذه الآية فعل مضمر تقديره "واذكر" وهذا هو الراجح لأن هذه الآيات كلها إنما هي إخبارات بغيب تدل على نبوة محمد عليه السلام، مقصد ذكرها هو الأظهر في حفظ رونق الكلام، وقرأ عبد الله بن عمر وابن مسعود، "وإذ قال الملائكة"، واختلف المفسرون هل المراد هنا بالملائكة جبريل وحده أو جمع من الملائكة؟ وقد تقدم القول على معنى مثلها في قوله تعالى: { { فنادته الملائكة } [آل عمران: 39] و { اصطفاك } مأخوذ من صفا يصفو وزنه - افتعل - وبدلت التاء طاء التناسب الصاد، فالمعنى تخيرك لطاعته وقوله تعالى: { وطهرك } معناه من كل ما يصم النساء في خلق أو خلق أو دين قاله مجاهد وغيره، وقال الزجّاج: قد جاء في التفسير أن معناه طهرك من الحيض والنفاس.
قال الفقيه أبو محمد : وهذا يحتاج إلى سند قوي وما أحفظه.
وقوله تعالى: { واصطفاك على نساء العالمين } إن جعلنا { العالمين } عاماً فيمن تقدم وتأخر جعلنا الاصطفاء مخصوصاً في أمر عيسى عليه السلام وأنها اصطفيت لتلد من غير فحل، وإن جعلنا الاصطفاء عاماً جعلنا قوله تعالى: { العالمين } مخصوصاً في عالم ذلك الزمان، قاله ابن جريج وغيره، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"خير نساء الجنة مريم بنت عمران، وخير نساء الجنة، خديجة بنت خويلد" وروي عنه أنه قال: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد" ، فذهب الطبري وغيره إلى أن الضمير في قوله - نسائها - يراد به الجنة، وذهب قوم إلى أنه يراد به الدنيا، أي كل امرأة في زمانها، وقال النبي عليه السلام، "خير نساء ركبن الإبل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه إلى زوج في ذات يده" ، وقال أبو هريرة راوي الحديث: ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط، وهذا الزيادة فيها غيب، فلا يتأول أن أبا هريرة رضي الله عنه، قالها إلا عن سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، "خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" ، وقد أسند الطبري، أن النبي عليه السلام، قال لفاطمة بنته، "أنت سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران، البتول" ، وأنه قال، "فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين" .
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وإذا تأملت هذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها، وجدت مريم فيها متقدمة، فسائغ أن يتأول عموم الاصطفاء على { العالمين } عموماً أيضاً، وقد قال بعض الناس، إن مريم نبية، قال ابن إسحاق، كانت الملائكة تقبل على مريم فتقول، { يا مريم إن الله اصطفاك }، الآية، فيسمع ذلك زكريا فيقول، إن لمريم لشأناً، فمن مخاطبة الملائكة لها، جعلها هذا القائل نبية، وجمهور الناس على أنه لم تنبأ امرأة.
و { اقنتي } معناه اعبدي وأطيعي، قاله قتادة والحسن، وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام قال، كل قنوت في القرآن فهو بمعنى طاعة الله، ويحتمل أن يكون معناه، أطيلي القيام في الصلاة، وهذا هو قول الجمهور، وهو المناسب في المعنى لقوله، { واسجدي واركعي } وبه قال مجاهد، وابن جريج، والربيع وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا، قامت حتى ورمت قدماها، وروى الأوزاعي، أنها قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها، تظنها جماداً لسكونها في طول قيامها، وقال سعيد بن جبير، { اقنتي لربك }، معناه أخلصي لربك، واختلف المتأولون، لم قدم السجود على الركوع؟ فقال قوم: كان ذلك في شرع زكرياء وغيره منهم وقال قوم: الواو لا تعطي رتبة، وإنما المعنى، افعلي هذا وهذا، وقد علم تقديم الركوع، وهذه الآية أكثر إشكالاً من قولنا، قام زيد وعمرو، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة، وهذه الآية قد علم أن السجود بعد الركوع، فكيف جاءت الواو بعكس ذلك، فالقول عندي في ذلك، أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة، وهما طول القيام والسجود، وخصا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة، وإذا العبد يقرب في وقت سجوده من الله تعالى: وهذان يختصان بصلاتها مفردة، وإلا فيمن يصلي وراء إمام، فليس يقال له أطل قيامك، ثم أمرت -بعد - بالصلاة في الجماعة، فقيل لها، { واركعي مع الراكعين } وقصد هنا معلم من معالم الصلاة، لئلا يتكرر لفظ، ولم يرد بالآية السجود والركوع، الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم.